يقول الاقتصاديون أن من متطلبات الاستثمار بشكل عام هو توفر بيئة مستقرة سياسيا واقتصاديا وأمنيا. وكنت شخصيا أصدق هذه المقولة الاقتصادية باعتبار أن رأس المال النقدي سيكون معرضا لهزات قوية نتيجة للصراعات المسلحة وآثارها السلبية المدمرة على الاقتصاديات المحلية والاستثمارات الأجنبية بشكل عام. ولكن ما نشاهده حتى الآن انما يدحض هذه النظرية بل ويقلب المفهوم الاقتصادي للنظرية رأسا على عقب، بمعنى أن الاستثمار الأجنبي يحقق فوائد أكثر في ظل الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط تحديدا. وكلما ازداد الوضع دموية كلما ازدادت فرص جني الأرباح من خلال ابرام عقود البيع والشراء وبشروط واملاءات المستثمر الأجنبي ذاته.
لذلك نلاحظ أن هذا المستثمر انما يبحث عن منطقة دموية لا يوجد فيها من يستطيع منافسته بالقوة الاقتصادية والعسكرية طالما أن الجميع مشغولين بالصراعات واثبات الوجود على رأس السلطة. وبالتالي نجد أن الطرف الأضعف عسكريا في دائرة الصراع يقدم دعما ماليا قويا للمستثمر الأجنبي والاتفاق معه على التواجد عسكريا بعقد طويل الأمد مقابل حماية الطرف الضعيف وتمكينه من السيطرة على مجريات الأمور من ناحية وضمان استمراره في سياسة خلق الفوضى وزعزعة الاتحادات وتهديد الأمن والاستقرار للدول الأخرى كما تفعل بعض الدول مثل قطر وايران اللتين ساهمتا في خلق فرص استثمارية للقوى الكبرى في مناطق دموية كالعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول الأخرى التي جعلت منها ايران وقطر بيئات جاذبة جدا للاستثمار الأجنبي بشكله العسكري ومضمونه الاقتصادي. ويعلم الجميع أن القواعد الأمريكية مثلا جاءت للمنطقة منذ سنوات طويلة واستثمرت وجودها في العراق لسنوات وخسرت مبدئيا لكنها عوضت بعد انتهاء الحرب ما خسرته في اثناء الحرب، بل وحققت أرباحا طائلة تمثلت في صفقات النفط وتصديره مجانا وفقا لشروط المستثمر الأجنبي " الغذاء مقابل النفط" بدلا من قبول العملة النقدية للدينار العراقي عديم القيمة في ذلك الوقت.
وفي إيران نجد أن خبراء من روسيا شاركوا في عمليات تخصيب اليورانيوم خلال حقبة الصراع بين رجال الدين المحافظين ونظام الشاه مرورا بفترة تصدير الثورة الإيرانية وحتى يومنا هذا. ولا يزال التعاون العسكري بين إيران وروسيا قائما ومستمرا في مجال تطوير برامج لمنظومات صاروخية باليستية ومنظومات دفاعية وهجومية أخرى. وقد ساهم هذا الاستثمار العسكري الروسي في جني أرباح طائلة من وراء صفقات الأسلحة وتطوير البرنامج النووي الإيراني.
وما كان لروسيا أن تتعافى من أزمتها الاقتصادية عقب انتهاء الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الامريكية لولا قدرتها على تخطي آثار الأزمة الاقتصادية بالاستثمار عسكريا ونوويا في ايران ودول البلطيق الأخرى ثم في سوريا مؤخرا حيث وجدت في الثورة الشعبية السورية فرصة عظيمة لتعويض خسائر البلاد في عهدي الرئيسين السابقين ميخائيل غورباتشوف وليونيد بريجينيف, وتمكين قواعدها البرية والجوية والبحرية من التواجد في الأرض والسماء والسواحل السورية لعقد طويل الأجل مما يسمح لها بالاقتراب من مناطق النفوذ الامريكية والأوروبية وتهديد القطب المنافس على البقاء والاستثمار حربيا وعسكريا في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالثروات الطبيعية. كما يسمح هذا الوجود العسكري لروسيا بفتح المجال أمام المصانع الروسية لمنافسة نظيراتها من المصانع الغربية الأخرى في اسواق الشرق الأوسط وافريقيا.
وأخيرا في قطر حيث تتجلى صور استثمار القدرات العسكرية للدول الأجنبية المستغلة للأحداث الملتهبة والباحثة عن مناطق النزاع في المنطقة العربية وأفريقيا لأجل نهب الثروات المالية وسلب الثروات الطبيعية كالغاز والنفط والذهب بذريعة محاربة الإرهاب حينا وإحلال الديموقراطية وحماية الحلفاء والأصدقاء حينا آخرا.
فما أن حدثت ازمة بسيطة مع دولة قطر حتى سارع الاعلام الغربي للاستثمار بطريقته كذلك في هذه الأزمة العابرة فظهر علينا بوقا إعلاميا غربيا ينذر باندلاع حرب عالمية جديدة ليعطي الحدث زخما إعلاميا قويا حتى يكون ممهدا ومحفزا لمصانع الأسلحة وتجار السلاح بالاستثمار في موقع عربي مميز. وترى هذه الدول ذات الخلفية الاستعمارية أن أي نزاع في الشرق الأوسط سيخلق لها فرصة استثمارية عظيمة للتواجد الحربي بناء على طلب الطرف الأضعف في المعادلة العسكرية.
ومن هنا وجدت تركيا نقطة عبور مفتوحة باتجاه قطر فدخلت بنفس المبررات التي دخلت بها واشنطن في العراق وأفغانستان وغيرها. فجاءت – ملبية لنداء المستغيث - ودخلت بقواتها العسكرية وشحناتها الغذائية الى قطر وانشئت لها قاعدة عسكرية لا تبعد سوى كيلو مترات عن قاعدة أمريكية أخرى في منطقة العديد. وحينما هدأت العاصفة قليلا سارعت وسائل الاعلام بالإعلان عن صفقات شراء أسلحة وطائرات حربية لقطر بمليارات الدولارات. فهل كانت قطر بحاجة ماسة لكل هذا الكم من الدبابات والطائرات الحربية التي ما أن تحلق في الفضاء حتى تدخل في المجال الجوي لدول أخرى مجاورة؟، وهل كانت تدرك أن خلق الفوضى في دول أخرى سينعكس على البلاد والعباد بالرخاء والثراء والنعيم؟
نعلم أن المستعمر الأجنبي مثلما يصنع السلاح فانه يصنع أيضا الفرص المناسبة لبيع هذا السلاح او استخدامه لفرض الهيمنة. بل انه يصنع أحيانا الفرص قبل أن يصنع لها ما يناسبها من السلاح. وهو، أي المُنتج للسلاح، يبحث دائما عن مناطق التوتر، وان لم يجد فسوف يصنع التوتر وربما يدعو إلهه بأن تعم الفوضى والدمار دول الشرق الأوسط الغنية وتشتعل فيها الحروب. وبعد ابرام الصفقات وقبض المليارات ومن أجل تلميع الصورة القبيحة لمنتجي الأسلحة الجرثومية الخطيرة، نشاهد التحركات الدبلوماسية ولعب دور الوسيط النزيه وما الى ذلك من الدعاية السياسية المغلفة بمفهوم أن مصنعي أسلحة الموت الشامل لا يريدون موت البشرية. فيعرضون عليك شراء أسلحتهم القاتلة أو تواجد قواتهم لحمايتك من الموت حتى اشعار آخر.
التعليقات 1
1 pings
زائر
25/01/2018 في 9:09 م[3] رابط التعليق
تسلم ابوماجد مقال ممتاز
(0)
(0)