الخَيْلُ قَوِيٌ وَصَلبٌ فِي طَبِيعَتِهِ، وَيُصبِحُ أَقْوَى فِي مِيْدَانِ السِّبَاقِ، وَرُغْمَ ذِلِكَ يَسْقُطُ وَيَنهَزِمَ وَقَدْ يَتَعثَّر، فَكذَلكَ حَالُ البَشرِ، غَيرَ أنَّ هُنَاكَ فَرْقًا شَاسِعًا بَينَ أنْ تَسْقُطَ وَتَنهَضَ لِتُكمِلَ المِشوَارَ بِدُونِ يَأسٍ أوِ اسْتِسْلامٍ، وَبَينَ أنْ تَستَمِرَّ عَلى سُقُوطِكَ فِي القَاعِ، فَقُدرَةُ القِيَامِ والاسْتِمرَارِ أمْرٌ لا يَتحَلَّى بِهِ إلَّا القِلَّةَ مِنْ بَنِي الإِنْسِ ..
فَكَمَا قُلتُ: نَحْنُ بَشرْ ..!
قَدْ نَمُرُّ بعَقَباتٍ فِي حَيَاتِنا نَفقِدُ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ، وَتَتبَعْثرُ أحْلَامُنا يُمْنَةً وَيُسْرةً، وَتَضيعُ آمَالُنا التِي رَسَمنَاهَا لِمُستَقْبلِنَا، وَذلِك مِنْ أسْهَلِ مَا يَحْدُث، وَلكِنَّ أصْعَبَ المَرَاحِلِ أنْ يُقَوِّمَ المُتَعثِّرُ نَفْسَهُ مَرَّةً أخْرَى، وَيلُمَّ مَا بَعْثَرتْهُ الحَيَاة، وَيَبْنِي مُسْتقْبلَهُ مِنْ جَديدٍ بَعدَ أنْ غَيَّرَتِ الظُّروفُ مَجْرَاهُ، وَهَذَا مِنْ أَصْعَبَ التَّحدِّيَاتِ التِي يَخُوضُهَا فِي الحَيَاة ..
كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلاءِ هَوَتْ بِهِمُ الْحَيَاةُ وَسَقطَتْ عَلَى أعْقَابِهِم، وَلَمْ يَستَطِيعُوا الخُرُوجَ مِنْ رُكَامِهَا المُتَحَطِّم فَوْقَ رُؤُوسِهِم، وَمُقَابِلَ هَؤلَاءِ فِئَةٌ مَرَّتْ بِنَفسِ هَذِهِ الظُّرُوف، وَلكِنَّ سُرْعَانَ مَا نَفَّضَتْ عَنْ نَفسِهَا الغُبَار، وَبَدَأتْ مِن أوَّلِ مَا بَدَأتْ فِي السَّابِقِ، غَيرَ مُبالِيَةٍ بِمَا حَدَثَ لهَا وَبمَا سَيحْدُثُ بِها مَرَّةً أخْرَى ..
بَلِ الأَعْظَمُ مِنْ هَذَا أنَّ هَذِهِ الفِئَةَ تَبتَسِمُ ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً تُعَبِّرُ عَن إيْمَانِهَا بِمَا حَصَل، وَثِقَةً فِي قُدرَتِهَا فِي الرُّجُوعِ لمَا تُريدُ، وَنِسيَانَ المَاضِي وَطَيِّ صَفْحَتهِ، بَل كُل مَا تَذَكَّرتْهُ مِن ذَلِك المَاضِي، هُوَ الدَّرسُ الذِي تعلمته اليوم ..
فَسقُوطُ الإنْسَانِ لا يَعنِي الفَشَل، بَل هُوَ مَرحَلَةٌ مِن مَرَاحِلِ النَّجَاح، وَبالأصَحِّ هِو بِدَايَة نَجَاح كُلَّ شَيء، فَمُعظَمُ النَّاجِحِينَ قَدْ بَدَأتْ حَيَاتُهُم ونَجاحَاتُهُم بعْدَ أنْ بَاءَت بالفَشَلِ مَرَّاتٍ عِدَّة، إلَى أنْ وَصَلُوا مَا أرَادُوا الوُصُولَ إليْهِ، وَالفَشَلَ الحَقيقِي أنْ يَبقَى الإنْسَانُ عَلَى خَطإِهِ وَعَدمِ تَقْوِيمِ نَفْسِهِ مِنَ الهُبُوط ..
قَالَتِ العَربُ قَديْماً :
لِكُلِّ حسَامٍ نَبْوَة، وَلِكُلِّ حَليْمٍ هَفْوَة، وَلِكُلِّ كَرِيمٍ صَبوَة، وَلِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَة، وَهَذا مِنْ أجْمَلِ مَا قَالتْهُ العَرَبُ ..!
فَلَوْ تَعْلمْ ..!
أنَّ قَاضِي المَحْكَمَةِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الجَمِيعِ أنَّهُ يَحُلُّ مُشْكِلاتَ النَّاسِ، لَكنَّكَ قَد تَجِدُهُ بِنَفسِه غَارِقًا فِي مُشْكِلةٍ لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلى حَلِّهَا، وَالتَّقِيُّ الزَّاهِدُ قَد يُخْطِئُ وَيُذنِبُ وَيَعْصِي، وَالكَرِيمُ اَلجَوَادُ قَد يَبْخَلُ فِي يَومٍ مِنَ الأيَّامِ ..
فَلا تَمْحُ تَارِيْخاً حَافِلاً بِالمُرُوءَةِ وَالإنْجَازَاتِ الحَيَاتِيَّةِ، بِمَوقِفٍ عَابِرٍ وَبخَطَإٍ يُغْتفَر، فَإنَّ بَعْضَ النَّاسِ كالبِحَارِ وَالأنْهَار، جُعْبَتُها مَليئَةٌ بَالخَيرِ والعَطَاء، فَتَذكّر مَاضِيهمُ النَّاصِع، إذَا بَدَرَ مِنهُم تصَرُّفٌ شنِيعٌ يَتيْم ..
وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ
جاءت محاسِنُهُ بألفِ شفيعِ
التعليقات 5
5 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
15/12/2017 في 4:31 م[3] رابط التعليق
درر
(0)
(0)
خالد العمري
15/12/2017 في 7:23 م[3] رابط التعليق
مقال جميل استاذ سامر ..
(0)
(0)
زائر
16/12/2017 في 2:09 م[3] رابط التعليق
وانت اجمل حبيبي ☺️?
(0)
(0)
زائر
15/12/2017 في 9:48 م[3] رابط التعليق
كفو
(0)
(0)
زائر
16/12/2017 في 9:54 ص[3] رابط التعليق
ماشاءالله جمييييييل
(0)
(0)