بعد أن فرغت من قراءة جزء لا بأس به من رواية " أيام معها " للأديب عبدالله جفري قررت أن أسترق النظر إلى الواتس أب الذي باغتني برسالة تفصح عن وفاة الشاعر القدير ابراهيم خفاجي ، فشعرت بأن ثمة ألمٍ قد ألمَ بي ، ثم دعوت الله بأن يغفر له و يرحمه ، ربما شعوري بالألم لم يأتِ من العدم فأنا كبرت على كلماته ، فمنذ أن بلغت الرابعة عشر من عمري و أنا مفتونة و متيمة بأغنيات أبو نورة و التي جاءت بعضها من قريحته الفذه ، و أذكر أنني لم أسمع تلك الأغاني على عجل و لم أمر بها مرور الكرام ، حيث أطلت الوقوف أمامها كما لو كانت أطلالاً أو محطات عشق و وصالٍ ، و أعلم جيداً أنني لست وحدي بل وقفن بجانبي أخريات إحداهن تنعمت في الهوى و أخرى رقصت على الجراح ، كذلك العاشق الذي اندملت جراحه في بلسم الأغنيه الشهيرة " أشوفك كل يوم و أروح " ، و لعل جميع من وقف على أعتابه تكونت له صورٌ و خيالاتٌ ، إذ أن حتمية كلماته المكتملة بصوت أبو نورة و الممزوجة بالنكهة الطلالية تُفرض التّذوق و التأمل
و التماهي ،
فقد شذّب حرفه حتى تهادى جناحاً على كتفه ، فحلّق بِنَا إلى ظبي الجنوب ذات غروب ! حلّق بِنَا و بسؤالٍ منسوج من حمرة الشفق : يا باهي الطيوف بسألك من فين انت ؟
فقد شذّب حرفه حتى رقصت الكلمات على كفه ، فنبتت القصائد حول أنامله حتى أن أزهرت في رياضٍ خضراء أشادت به شاعراً للوطن بعد أن كتب النشيد الوطني السعودي ، و في ورود حمراء تغنى بها ذات مساء :
و نتهادى ورود الحب و نروي فيها نشوة قلب
و أقولك انت محبوبي ..
و في نشوة زرقاء تجلّى بها قائلاً :
إذا لعب الهلال فخبروني
فإن الفن منبعه الهلال ،
تلك القصيدة الجميلة التي ذاع صيتها في قلب كل هلالي و التي ارتفع صداها في مدرجات الملاعب كلما فاز الهلال الذي حقق الكثير من البطولات التي لا حصر لها و قد استدل بها الخفاجي في قصيدته كمجدٍ و كسحر حلال ، و قد جاء الخفاجي بكل ما أوتي من محبة منصفة ليسطر أبياته التي لم يتفوق عليها أحد في النظم و التعبير ،
و مما لا شك فيه تفوق رحمه الله في صياغة الأغنيات التي بدت تارة كفتاة ترتدي ثوب جنوبي تكسوه ملامح الفرح و أخرى كامرأة كلاسيكية هادئة مغناجة ، و لو أن الأغنيات تتحدث لشكرته عما أحدثه بها خاصة تلك التي جاء في مطلعها : تصدق و لا أحلفلك ، عجزت بلساني أُوصِّف لك نعيم الحب في وصلك ،
و لعل ذلك الجمال الأدبي و الفني قادني للتأمل الفلسفي و الفكري الذي جعلني أردد : الحياة تحب أيضاً ، تماماً كما نحب نحن البشر ، و لكنها حين تقع في الحب تظل واقفة و شامخة ، و لعل الوقوف هنا هو السمة التي تلبسها الحياة لمن أحبتهم ، و لا يحظى بحبها سوى القادرين و المبدعين ، لذا لا تستغرب حين ترى مبدعاً يمسك بيد الحياه و كأنها حبيبته التي نال منها كل ما يرغب و التي سخرت نفسها تماماً له ، لا تستغرب أبداً
و تأكد بأنها ستمنحه الفرصة الذهبية في أن يعيش أكثر من مرة ! إذ أن المبدع تخلّده الأيام و إن فارقها ، فكل عمل عظيم قام به يعدل حياه بأكملها ، و كأنه ليس سوى استمرارٌ أبديٌ و ثابت ، إذ يظل محفوراً في الذاكرة على مر الأزمنة و العصور ، فبعض الحتف لا يشبه الرحيل و لا يمت له بصله ، و بعض الذهاب أوبة للبقاء و للقاء ، و هذا ما يؤكده المشهد الحياتي ، و هذا ما سنشهده مع شاعر الوطن و الحب ... فإن لم تحب الحياه الخفاجي .. ستحب من ؟
التعليقات 2
2 pings
زائر
08/12/2017 في 8:56 ص[3] رابط التعليق
ما شاء الله كلام اصيل ان دل على شيء دل على عمق الوفاء والحب
(0)
(0)
كلام
08/12/2017 في 8:57 ص[3] رابط التعليق
ما شاء الله كلام اصيل ان دل علىًشيء دل علىًعمق الوفاء والحب
(0)
(0)