تتواجد أمام المدارس من كل عام اعداد كثيرة من حافلات النقل الصغيرة التي يتقاضى أصحابها أجورا شهرية لنقل الطلاب والطالبات الى منازلهم في احياء ربما تكون قريبة او تبتعد قليلا عن مكان المدرسة. وذات يوم لفت نظري وجود احدى هذه الحافلات حيث يتسابق نحوها الصغار ويتزاحمون أمام باب الحافلة أملا في الحجز المبكر لمقعد. وما ان اقتربت من الحافلة حتى شاهدت بعضهم واقفا والبعض الآخر يقف وظهره ينحني قليلا لتفادي ملامسة رؤوسهم سقف الحافلة من الداخل.
كما شاهدت اعدادا أخرى في مشهد مماثل في الجانب الآخر لمواقف السيارات امام المدرسة بينما يحاول سائق الحافلة مساعدة الطلاب الصغار في الصعود الى داخل الحافلة، اذ كانوا يتدافعون بشدة أملا في ان يجدوا لهم مقاعد متوفرة. وما ان تأكد السائق من دخول جميع الركاب للحافلة حتى أغلق الباب بقوة وانطلق بسرعة في طريقه داخل شوارع الحي السكني وقت الذروة المرورية لخروج طلاب المدارس.
وعندما سألت سائق احدى هذه الحافلات عن سبب تواجد هذا العدد الكبير داخل الحافلة بالرغم من عدم توفر مقاعد لبعض الطلاب أجابني باستغراب شديد قائلا: " وهل لك ابن مسجل بالحافلة؟ ", فقلت له: " كلا.., ولكني اعتبرهم مثل ابنائي". وأضاف يقول انه يعمل منذ سنوات في هذه المهنة ولم يسأله احد عن سبب زيادة اعداد الطلاب عن معدل الطاقة الاستيعابية للحافلة. كان البعض من هؤلاء الطلاب الصغار يتواجدون في الصندوق الخلفي للحافلة والمعد أساسا للحقائب ومعدات السلامة على الطريق. وعندما أجاب بأن عدد المسجلين لديه يساوي عدد المقاعد المتوفرة بالحافلة، وجهت السؤال ذاته لبعض الطلاب الصغار الذين حجزوا مقاعدهم مبكرا داخل الحافلة، فقالوا لي ان ما قاله السائق ليس صحيحا، وأن اردت التأكد فانتظر حتى تتحرك الحافلة لكي ترى مجموعة من الطلاب وهم واقفون لعدم توفر مقاعد.
وفضلا عن حالة التذمر التي تبدو على وجوه التلاميذ والناتجة عن الفوضى والجو الخانق داخل الحافلة، سألت احد الصغار ان كان يتوفر تكييف بداخل الحافلة، وكان جوابه مفاجأ لي عندما قال ان الحافلة غير مجهزة بالتكييف بل لا يسمح لهم السائق أحيانا بفتح النوافذ خشية سقوطهم في الطريق اثناء الانعطاف يمينا او شمالا.
الكثير من هذه الحافلات تفتقر الى وجود وسائل السلامة المرورية التي ينبغي ان تتوفر في كل حافلة مثل طفاية الحريق وأحزمة الأمان, في حين ان الحمولة الزائدة بحافلات النقل المدرسي من شأنها زيادة الضغط على العجلات وبالتالي التأثير على توازن المركبة وثباتها اثناء القيادة مما قد يتسبب في وقوع الحوادث المفاجئة لا سمح الله.
يستغل أصحاب هذه الحافلات غياب النقل المدرسي الحكومي, بل ان بعضهم يستغل فترة غياب الكفيل عن المنزل حيث يقوم بتوصيل الأبناء الى المدرسة ومن ثم يعود - دون علم الكفيل او ربما بعلمه - الى المدرسة لينقل من هناك مجموعة أخرى من التلاميذ مقابل أجر شهري متفق عليه.
انني أطالب الجهات المعنية بإعادة النظر في تنظيم عمل هذه الحافلات والزام مالكيها بضرورة الفحص الدوري للمركبة وتطبيق أنظمة السلامة المرورية والتأكد من حصول السائقين على رخصة قيادة سارية المفعول, وكذلك الالتزام بالعدد المحدد الذي يتناسب مع عدد المقاعد في الحافلة. كما ينبغي ان تكون حافلات النقل الخاصة مجهزة بالتكييف وأحزمة الأمان حرصا على سلامة أبنائنا وحمايتهم من المخاطر المحتملة. كما أرى انه من المهم ان تكون هذه الحافلات مميزة بأي من الألوان الفسفورية لتمكين سائقي المركبات الأخرى من الانتباه لها وملاحظتها اثناء الحركة والتوقف المفاجئ واعطائها أولوية المرور عند التقاطعات والمنعطفات داخل الأحياء السكنية وخارجها.