منذ تأسيسه في عام 1421هـ -2000م، يتولى المركز الوطني للقياس والتقويم أعماله في إدارة اختبارات القياس لتحديد معدل التحصيل العلمي وبالتالي عرض النتائج للجامعات لمعرفة مدى أهلية الطالب للقبول في التعليم العالي. ومنذ ذلك الحين لم تعد نسبة المعدل التراكمي في شهادة الثانوية العامة مقياسا وحيدا للقبول في الجامعات والمعاهد والكليات المختلفة، اذ لابد أن يخضع جميع خريجي المرحلة الدراسية الثانوية لاختبارات قياس قدرات الطلاب الراغبين بمواصلة تعليمهم بالجامعات. ومن هذه الاختبارات هناك اختبار القدرات للطلاب في الرياضيات واللغة العربية, واختبارات التحصيلي للكليات العلمية والنظرية لقياس مستوى الطلاب في المواد العلمية. وهناك أيضا اختبار الكفايات في اللغة الإنجليزية واختبار تحديد المستوى للراغبين في التسجيل بكليات اللغات والترجمة. وتشترط الجامعات للدراسة في كلياتها ومعاهدها اجتياز اختبارات القياس بمعدلات مرتفعة مما يشكل جدارا عاليا تصطدم به همم الشباب وتتكسر عليه ارادتهم وعزيمتهم.
يتجدد هذا المشهد من كل عام دراسي ونحن نرى أبنائنا يتزاحمون أمام مكاتب القبول والتسجيل في الجامعات حيث تستلم منهم الوثائق المطلوبة للتسجيل ثم يُقال لهم انتظروا " رسالة اعتذار او قبول على هواتفكم النقالة ". فان كانت نسبة المعدل في شهادة الثانوية مرتفعة قيل له أو لها أن نسبة اختبار القدرات منخفضة، وان كانت نسبة اختبار القياس مرتفعة، قيل لهم أن نسبة الثانوية منخفضة. وفي كلتا الحالتين يتعذر القبول. اذ لابد من القفز على هذه الحواجز بنفس الارتفاع والسرعة والمهارة. ومثال ذلك حصول طالبة على معدل 95% في الثانوية العامة تخصص علمي، ومعدل 59% في اختبار القدرات.
من هاتين النسبتين المتباينتين نلاحظ أن الفجوة كبيرة جدا بينهما. فهل تكمن المشكلة في سهولة اختبار المدرسة التي منحت الشهادة الثانوية لهذه الطالبة أم أن المشكلة تكمن في صعوبة اختبارات مركز القياس؟
من هنا يبدأ التساؤل ومن هنا تنطلق معاناة ابناءنا نتيجة للإحباط الشديد بسبب اختبارات القياس التي باتت كابوسا مرعبا يهدد مسيرتهم العلمية ويحطم معنوياتهم بل ويقضي على آمال الكثيرين في حقهم بالتعليم الجامعي. ومن يدري فربما تشهد الأجيال القادمة يوما يكون من متطلبات القبول فيه اختبارا آخر لقياس الوزن والطول كما يحدث الآن في الكليات العسكرية.
وبما أن نسبة الثانوية العامة لم تعد ذات قيمة معيارية للقبول في الجامعة, فاني أتساءلُ من هذا المنبر الصحفي ان كانت اختبارات القياس قد أصبحت معيارا أحادياً لقياس مستوى ذكاء معين يكون شرطا أساسيا للقبول! أليس مؤيدي فكرة اختبار القياس يتبوؤون الآن مناصب إدارية متقدمة بفضل حصولهم على مؤهلات علمية عالية دون أن يخضع أي منهم لاختبار القياس في زمانه؟
وطالما أن أسئلة اختبارات القياس هي محصلة لمعلومات معرفية تم الحصول عليها خلال سنوات التعليم العام, فهل يمكن دمج محتوى فكرة اختبار القياس لتكون منهجا دراسيا جديدا في الثانوية العامة لكي يتدرب الطلاب على مهارات التحليل والاستنتاج منذ وقت مبكر؟ وان كانت الجامعات غير قادرة على استيعاب واحتواء خريجي الثانوية، فأين سيذهب ابناءنا، وأي مستقبل ينتظرهم بعد رفض قبولهم في الجامعات؟
نحن لا نستطيع توجيه اللوم على الطلاب الذين لم تسعفهم قدراتهم الفكرية على كسب نسبة عالية في اختبارات القياس. ونعلم كما يعلم المختصون في التربية والتعليم ان هناك عوامل أخرى كثيرة تلعب دورا قويا في انخفاض مستوى قدرات الطالب على التحليل والاستيعاب، وليس المجال هنا لسرد هذه العوامل وانما علينا أن نتفهم الأسباب ونساعد ابناءنا وبناتنا بإتاحة فرصة القبول لهم في الجامعات لإثبات الذات.
ندرك تماما أن هذا النوع من الاختبارات يقيس القدرة التحليلية والاستدلالية والاستيعابية لدى الطالب بمعنى أنه يركز على كشف قابلية الطالب للتعلم. ولكنني أرى أن معرفة قابلية التعلم يمكن التوصل اليها بطرق ووسائل أخرى لا تشكل "مطبا صناعيا " في طريق البحث عن آفاق ومجالات المعرفة في الجامعات.