من المتوقع بعد عشر سنوات أن يصبح لدينا عشرة ملايين مستشار أجنبي..ومن ضمنهم بواب العمارة التي أسكنها..حيث سيصبح مستشاراً لدى المالك..للتحايل على السعودة في حال فرضت الدولة سعودة قطاع حراسات العمائر..وكل ما سيتغير هو أن صاحب العمارة سيقوم بتغيير مسمى وظيفة الحارس إلى كلمة(مستشار)..وتوظيف بواب سعودي وهمي مقابل 1500ريال وهو (منقعر)في بيته..وزيادة الإيجار على(ظهري)وظهور السكان ليغطي راتب(المنقعر)..ويبقى(البيه المستشار)بواباً مثلما كان.
لقد أصبحت الاستشارة(حلى)أيها السادة..وبما أن الحلى يرفع الضغط والسكر فإن تكلفة معيشة المواطن سترتفع هي الأخرى..وكلما ضيقت الدولة على توظيف الأجانب التفَّ شياطين التستر وحرامية القطاع الخاص على قرارات الدولة لحماية الأجنبي وحماية مصالحهم المرتبطة بوجوده..وقريباً سنرى المستشار السباك والمستشار الحلاق والمستشار سائق الليموزين..وهكذا..وجميعهم يعملون بعقود استشارية لدى كفلائهم المتسترين.
ورغم ما تمثله الصورة الأولى من التحايل من خطورة على مستقبل أجيالنا وأمننا واستقرار بلادنا..إلا أن هناك صورة أخرى أشد خطورة على الوطن كله وعلى رؤية 2030 برمتها..وهي العقود الاستشارية الحكومية التي تعقدها الوزارات والجهات الحكومية والشركات الكبرى الحكومية وشبه الحكومية مع شركات استشارية أجنبية أو إنشاء شركة من رحم الجهة الحكومية لتقدم خدماتها بالتعاقد مع شركات أجنبية..ويبدو لي أن هذه الجهات لديها الاستعداد للتعاقد مع شركات استشارات وخدمات حتى من جزر الواق واق وتوظيف مئات الآلاف من الأجانب عبر هذه الحيلة..مقابل عدم رغبتها في توظيف سعودي واحد..حتى لو كان مستشاراً في فن صناعة الجريش والقرصان والعصيدة.
أما سبب خطورة هذه العقود..فلأن عقد الاستشارات والخدمات هذا لن يتيح فقط التحايل على السعودة..ويتسبب في ارتفاع نسب البطالة..بل سيتيح التحايل على الدولة برمتها..ونهب(وشفط)كل ما يمكن (شفطه)من ميزانياتها وأموالها..وتعطيل كل ما يمكن تعطيله من توظيف أبنائها..وشق وتمهيد كل الطرق الممكنة في ظل توجه الدولة لخصخصة الخدمات لبقاء الأجنبي وبأي ثمن..وتمكين الفاسدين من المسؤولين للانتقال من الوظيفة الحكومية إلى تلك الشركات برواتب خيالية..أو البقاء في مناصبهم وأخذ رواتبهم من الدولة ومن الشركة تحت مسمى عضويات مجالس الإدارة أو اللجان أو غيرها من المسميات التي تمطر(بالدراهم)..وعندما يكون رجل الأعمال وزيراً أو مسؤولاً في وزارة فمن المتوقع أن يفعل كل شيء لحماية شركاته ومصالحه واستثماراته..وسيعمل جاهداً لسنٍّ التنظيمات والقوانين التي تضمن مكاسبه قبل مكاسب الوطن والمواطن.
ولتبسيط الموضوع..سأضرب مثالاً لحالة واحدة تتكرر كثيراً في معظم الوزارات..وسأفترض أنني مسؤول فاسد في إحدى قطاعات الدولة..وأمامي خياران..أحدهما توظيف عشرة من أفضل أساتذة الجامعات السعوديين كمستشارين لدى الوزارة لأي موضوع أو لأي مشروع..وسيكلفون الوزارة خمسين مليون ريال خلال عشر سنوات..ثم(أقعد بها)ولن يدخل جيبي(مليم واحد)بالإضافة إلى المشاكل التي سيخلقها لي هؤلاء المستشارون السعوديون المخلصون المعقدون الذين سيفضحون تقصيري ولن يطيعوا تزويري..والخيار الآخر..أوقع عقد استشارات مع شركة استشارات أجنبية حتى لو كانت مضروبة ومن(أبو ريالين)بمليار ريال خلال عشر سنوات..وسأكون عضواً منتدباً ورئيساً لكل اللجان..وعضو مجلس إدارة..وأحصل خلال هذه السنوات على(هبرة)محترمة..بالإضافة إلى السفريات والفنادق الخمس نجوم(والدلع)..(وحاضر يا أفندم)..(وشو بتعئد)..(وآز يو لايك سير)..ومن الممكن أن أستقيل من وظيفتي الحكومية وأنتقل لتلك الشركة بعشرة أضعاف راتبي من نفس بند العقد الذي وقعته..فهل تتوقعون أختار الخيار الأول..بل هل تتوقعون سأهتم أصلاً كم وظفت تلك الشركة من سعودي..بل هل تحلمون أنني سأهتم أساساً بجودة العمل والخدمات..وحتى لو وظفت هذه الشركة الاستشارية الأجنبية مدينة كاملة من جزر الواق واق ووظفت حتى مجانينها واستقدمت حتى حميرها(وبساسها)وكلابها باسم مستشارين..هل تتوقعون أنني سأهتم بذلك أم سأهتم بجيبي؟!
أما إذا كنت رجل أعمال وأشعل منصباً حكومياً..فهل تتوقعون أيها المواطنون المخلصون أنني سأهتم بكم وبتوظيفكم وبجودة الخدمات المقدمة لكم أصلاً..أم سأهتم بكيفية التحايل على قرارات الحكومة لأضمن ارتفاع نسبة أرباح شركاتي..وضمان بقاء الأجنبي الذي يحقق لي تلك الأرباح؟!
هل تعلمون كم من المال أهدر على شركات الاستشارات الأجنبية(أبو ريالين)حتى الآن؟!
إنها 12 مليار ريال(مليار ينطح مليار)حسب تقرير ديوان المراقبة العامة.
هل تعلمون كم يمكن أن يوظف هذا المبلغ من المواطنين؟!
طيب..هل تعلمون كم أسرة يمكن أن يؤمن لها سكناً هذا المبلغ؟!
إن هذا المبلغ الذي ضاع هباءً منثوراً على استشارات باردة بائتة قديمة من السيد(طوني..وجيمس..وأليخاندرو..وجنق بنق طنق) كان بإمكانه توفير سكن لأربعة وعشرين ألف(24000) أسرة سعودية..وكان بإمكان وزاراتنا الموقرة الاستفادة من استقطاب أساتذة الجامعات وتوظيفهم بنفس رواتبهم لديها ليقدموا الاستشارات بالمجان..ويحل أبناؤنا الخريجون الجدد الذين يحملون شهادات الماجستير والدكتوراة ويعانون من البطالة ويبيعيون(شاي الجمر)مكانهم.
والحقيقة أنني لا أفهم هذا التعنت والاشتراطات الجائرة أمام توظيف السعوديين سواء في القطاع الخاص أو حتى في القطاعات الحكومية وشبه الحكومية..والتسهيل للأجنبي والتحايل لاستقدامه..ولا أستطيع تفسير هذا الأمر إلا بالفساد..الفساد المالي والإداري الذي نخر عظام الوزارات سنين طويلة..ثم زاد الطين بلة باستقدام فساد القطاع الخاص إلى الجهات الحكومية..ليزيد الحمل فوق أكتاف المواطن والوطن.
من المؤلم جداً أن تزور جامعة سعودية فتتوهم أنك سافرت خارج السعودية..حين ترى غالبية أساتذتها من غير السعوديين وبعضهم شهاداتهم مضروبة..ولدينا أكثر من 460 سيدة سعودية عاطلة عن العمل ممن يحملن شهادة الدكتوراة وأضعاف أضعافهن من الرجال الذين (بلوا شهاداتهم وشربوا مويتها).
من المؤلم أن تزور الأقسام والمكاتب الهندسية فتجد 16000شهادة مزورة لمهندسين أجانب..بينما أبناؤنا المهندسون السعوديون المتخرجون من أعرق الجامعات العالمية يعملون كسائقي تاكسي.
من المؤلم حقاً أن تزور مستشفى سعودية..ثم تجد غالبية طواقمها من الأجانب..بينما الأطباء والفنيون السعوديون يعملون كمحاسبين في السوبر ماركت.
من المزعج لكل مواطن أن يجد المهندسين التقنيين السعوديين يعملون كمأموري سنترال بثلاثة آلاف ريال ثم يجد(كومار)الذي للتو تخلص من حبوب الشباب في وجهه يعمل مستشاراً براتب يبلغ 40 ألف ريال في شركة تقبض إعانات من الدولة لكي تبقى حية.
وأخيراً..ومع خالص الحب والتقدير وشديد الاحترام وجزيل الشكر لأخوتنا في العروبة والدين والإنسانية من الذين يعملون بيننا..إلا أننا يجب أن نرفع شعار(السعودي أولاً)وثانياً وعاشراً..حين يتعلق الأمر بخيرات وطننا ومستقبل أبنائنا..وهو حق طبيعي لجميع الشعوب في العالم..دون ضغينة ولا حقد ولا حسد..ومن غير المعقول ولا المقبول..ومن المخالف للعقل والمنطق ولكل شيء أن تجد 12 مليون موظف وعامل أجنبي..ثم لا تجد وظائف لمليون سعودي فقط.
إذا لم تكن هذه مؤامرة على شبابنا من الفاسدين في القطاع العام والخاص..فما معنى المؤامرة؟!