إن في حياة الرِّجال, كل الرِّجال, قديماً وحديثاً مواقف, وفي سني عمرهم وقفات, بعضها ينمّ عن الشرف والشجاعة والذكاء, وبعضها يدل على السخافة وضعف النفس والبطالة, وبعض آخر فيه طرافة ولطافة, وفي جزء كبير منها نرى العجائب والغرائب.
وإليك أخي القارئ بعضاً من ذلك, من أجل أخذ العظة والعبرة, وصولاً للدروس المستفادة في حياتنا المعاصرة.
1 - نظر رجل إلى أخوين لأب وأم، أحدهما جميل والآخر قبيح، فقال: ما أمُّكما إلا شجرة تحمل سنة موزاً وسنة عفصاً!!.
2- مرّ رجل بمزبد وهو جالس يتفكر, فقال له: في أيّ شيء تتفكر؟ قال: في الحج: قد عزمت عليه السنة. قال فما أعددت له؟ قال: التلبية، فما أقدر على غيرها!!.
3- قيل: كان لرجل في البادية حمار وكلب وديك؛ فالديك يوقظه للصلاة, والكلب يحرسه إذا نام, والحمار يحمل أثاثه إذا رحل. قال: فجاء الثعلب فأكل الديك فقال: عسى أن يكون خيراً. ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, عسى أن يكون خيراً. ثم جاء الذئب فبقر بطن الحمار، فقال: عسى أن يكون خيراً.
قال: ثم إن جيرانه من الحيّ أغير عليهم فأخذوا, فاصبح ينظر إلى منازلهم وقد خلت فقيل له: إنما أخذوا بأصوات دوابهم.
فقــال إنما كانت الخيرة في هلاك ما عندي, فمن عرف لطف الله رضي بفعله!!.
4- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد طلاق امرأته: لمَ تطلّقها؟ قال: لإني لا أحبها. فقال له: أكل البيوت بُنيت على الحب؟ فأين الرعاية والذمّة والوفاء؟!!.
5- كان رجل من أهل الشام مع الحجاج يحضر طعامه، فكتب إلى امرأته بذلك, فكتب إليه:
أيُهدى لي القرطاس والخُبز حاجتي | ||
وأنت على باب الأمير بطينُ | ||
إذا رغبت لم تذكر صدياً ولم تًقمْ | ||
فأنت على ما في يديك ضنينُ | ||
فأنت كلب السوء جوّع أهله | ||
فيُهزل أهل البيت وهو سمينُ!! | ||
6- قال سفيان الثوري رحمه الله: عشرة أشياء من الجفاء:
أولها: رجل يدعو لنفسه، ولا يدعو لأبويه وللمؤمنين والمؤمنات.
والثاني: رجل يتعلم القرآن ولا يقرؤه في كل يوم.
والثالث: رجل يدخل المسجد ويخرج ولا يصلي ركعتين.
والرابع: رجل مرّ على المقابر ولا يسلَّم عليهم ولا يدعو لهم.
والخامس: رجل دخل يوم الجمعة بلداً ولا يصلي الجمعة.
والسادس: رجل نزل في محلتهم عالم ولا يذهب إليه ويتعلم منه شيئاً من العلم.
والسابع: رجلان يترافقان ولا يسأل كل واحد منهما عن اسم صاحبه.
والثامن: رجل لا يجيب الدعوة إذا دعاه إخوانه.
والتاسع: رجل يضيِّع شبابه وهو فارغ, ولا يطلب العلم والأدب.
والعاشر: رجل شبعان وجاره جائع ولا يطعمه شيئاً من طعامه!!.
7- وقف رجل لعبيد الله بن يحيى فقال: أنا مستجير بالله ثم بخليفة الله ثم بالوزير عبيد الله من فلان عدو الله, فقال له عبيد الله: يا هذا لست تريد أن تتظلم, ولكنك تشتهي أن تتكلم!!.
8- حُكي أن رجلاً مرّ في صومعة, فقال له: مَنْ أنيسك؟ فقال: قلبي. قال فمن جليسك؟ قال: الصبر. قال: فبأي شيء تقتات؟ قال: بذكر الموت. قال له أي خبر أصدق عندك في الدنيا؟ قال: فما رأيت أصدق في الدنيا من الموت. قال له فما بال الخلق لا يتفكرون فيه؟ قال الراهب: إنما يتفكر الأحياء, وأما الموتى فقد أماتوا أنفسهم قبل الموت بُحبِّ الدنيا فهم لا يتفكرون!!.
9- قيل لرجل: ما أعددت للشتاء؟ قال: شدة الرِّعدة وقرفصة القعدة, ودرب المعدة.
10- ذكر أن رجلاً مدح آخر في وجهه فقال له: يا عبد الله لِمَ مدحتني, أجربتني عند الغضب فوجدتني حليماً؟ قال: لا. قال أجربتني في السفر فوجدتني حسن الخُلق: قال: لا. قال: أجربتني عند الأمانة فوجدتني أميناً؟ قال: لا. قال: فلا يحل لأحد ما لم يجرِّبه في هذه الأشياء الثلاثة أن يمدح أحداً!!.
11- جاء رجل إلى أبي ضمضم يستعدي على رجل في دابة اشتراها منه, وظهر بها عيب. فقال له أبو ضمضم: وما عيبُها؟ قال: في أصل ذنبها مثل الرُّمانة، وفي ظهرها مثل التفاحة، وفي عجيزتها مثل الجوزة، وفي بطنها مثل الموزة، وفي حلقها مثل الأترجة، فقال له أبو ضمضم: اذهب عنا، فهذه صفة بستان وليست بصفة دابة!!.
12- اشترى رجل جارية بديعة في الحسن، وكان في غاية القبح، فلما صارت في داره، نظر إليها فضحك ونظرت إليه فبكت، فقال لها كالمغضب: أنظر إليك فأضحك وتنظرين إليَّ فتبكين؟ فقالت: نظرت إلى ما يسرّك فضحكت، ونظرت أنا إلى ما يسوؤني فبكيت!!.
13- قال رجل لمعشوقته: أعطني خاتمك أذكرك به فقالت: خاتمي من ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن خُذ هذا العود لعلّك تعود!!.
14- قال الأصمعي: رأيت رجلاً من الأعراب لا يزال يجمع الجلود، فقلت له يوماً: ما تصنع بهذا؟ فقال: الجلود لا تستغني عنها العرب, أصلها سقاء، ثم إن حاربوا فوِقاء، وإن جاعوا فشِواء، وإن اختلفوا فحذاء!.
15- روي أن رجلاً قال لبعض الحكماء: أوصني، قال: ازهد في الدنيا ولا تنازع فيها أهلها، وانصح لله تعالى كنصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم نصحاً!!.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية