ما من شك في أن التعليم له اليد الطولة في تشكيل ثقافة الأمم وهويتها.. هذا الكلام ليس تنظيراً أمارسه ليضاف إلى هذا الزبد الذي يلمع في أعيننا دون أن ننتفع به.
تجارب الدول التي صنعت نهضة تنموية في كافة المجالات تشهد بأن الاهتمام بالتعليم كان هو الأساس، لأننا من خلاله نغرس القيم والتوجهات والمعارف والمهارات الأساسية في عقل ووجدان الفرد في مراحل مبكرة، مدركين لقول الحكمة في إرثنا العربي: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر".
هذه التهيئة هي من تصنع الفارق إذا أمنا بأن الإنسان هو محور التنمية الأول.. وهذا أمر لا جدال فيه تشهد به إنجازات دول نهضت حين اهتمت بإنسانها فتقدمت كما فى حال ماليزيا، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، والهند، وتايوان، والصين، والبرازيل، وتشيلى، وجنوب أفريقيا وقبلهم اليابان الأكثر تطوراً.. إذاً التعليم مدخل أساسى للتنمية، أذ لا يمكن أن يحدث تقدم بدون إنسان واع متعلم.
وما دمت في ماليزيا فأذكر لكم أحد أهم أسرار نجاح تجربتها فى التقدم.. الحكاية باختصار أنها استفادت من تجربة اليابان فى التعليم والاعتماد على العنصر البشرى المدرب المتعلم، ومنذ ذلك الحين أصبحت وزارة التعليم في ماليزيا أهم الوزارات وليست وزارة الدفاع أو الداخلية أو الخارجية، حيث يبلغ إنفاق ماليزيا حاليا على التعليم 28.01% من الموازنة العامة بعدما استمر لسنوات عديدة بنسبة 24%، محتلة بذلك المركز الثانى عالمياً، حيث يتم إنفاق هذه الميزانيات على بناء مدارس جديدة، وإنشاء معامل للعلوم والكمبيوتر والاهتمام بالبعثات التعليمية الخارجية.
واستطاعت ماليزيا أن تحقق نجاحاً باهراً فى خفض نسبة الأمية من 47% عام 1981 إلى 11.07% فى عام 2010، والى 5% عام 2014، وذلك من خلال حملات محو الأمية وركزت على التعليم المهنى الذى انتعش بصورة كبيرة تلبية للنمو الهائل الذى شهدته القطاعات الصناعية، فأصبح هناك عمالة ذات كفاءة عالية، تعمل وفق أسس علمية بعيداً عن العشوائية، والسر في ذلك يعود إلى أنه من بداية المرحلة الثانوية تصبح العملية التعليمية شاملة؛ فتضاف مواد خاصة بالمجالات المهنية والفنية - التى تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم - إلى جانب العلوم والآداب التي تدرس أساساً.. إضافة إلى ذلك تكثر معاهد التدريب المهنى التى تستوعب طلاب المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل بكفاءة عالية.
هذه بعض إشارات في التعليم نحتاج لنستوعبها أن ندرس تجارب الدول التي نجحت فيها ونقيمها ونكيفها لنبدأ العمل من حيث انتهت الآخرون.
بقلم - د. محمد باجنيد
أستاذ التعليم والتعلم
مدير عام معهد الإدارة العامة بالمنطقة الشرقية