اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي رابع أكبر لغة في العالم من حيث عدد الناطقين بها ، وهي سابقاً اللغة العالمية للعلم والحضارة في العصور التي برزت وسادت فيها الحضارة العربية الإسلامية.
وللأسف إهمال اللغة العربية في العلوم الحديثة والإنسانية واستبدالها بلغات أخرى من شأنه طمس الهوية الوطنية وإفقاد الإنسان العربي الثقة في هويته وثقافته ولغته ويعرض بذلك اللغة العربية لفقدان "وزنها الحضاري" أمام لغات وثقافات وشعوب العالم.
فاللغة من صميم الهوية وجزء أصيل من حصاد الحضارة وأي شعب من شعوب الأرض يريد أن ينهض ويتقدم ويواكب العصر والحضارة لابد له قبل ذلك أن يهتم ويعتز بلغته وهويته ، فجميع الحضارات المتقدمة والمهيمنة على العالم اهتموا قبل ذلك بلغاتهم الأصلية.
فالاهتمام باللغة العربية لا يتعارض أبداً مع تعلم اللغات الأخرى كالإنجليزية ، بل إن الإطلاع على الثقافات الأخرى وترجمتها للغة الأم هو سبب لنهوض أي حضارة ، كالحضارة العربية الإسلامية سابقاً ، والحضارة الأوروبية فيما بعد.
والخطورة هنا ليس في تعلم لغة أخرى ، بل الخطورة هنا أن نضعف ونقضي على لغتنا العربية في الجامعات والكليات والعلوم الحديثة والإنسانية ونستبدلها بلغات أخرى.
فالناتج العلمي في اللغة العربية يكاد يكون معدوماً في العصر الحديث ، وليس كما كان عليه الحال في عصر الحضارة العربية حيث كانت اللغات الأخرى كالإنجليزية والإسبانية وغيرها يقتبسون الكثير من المفردات العربية والتي لا تزال تستعمل في تلك اللغات إلى يومنا هذا.
وللأسف تشير بعض التقارير والدراسات على أن ما تم ترجمته للعربية من كتب منذ عصر المأمون وحتى الآن يقارب ما تترجمة اسبانيا وحدها من كتب خلال سنة واحدة.
وإذا عدنا إلى التاريخ نجد أن نهوض أي حضارة تعتمد في بداياتها على حركة الترجمة والنقلة الكبيرة لمختلف أنواع العلوم الحديثة والإنسانية ، كالحضارة العربية الإسلامية وبعد ذلك الحضارة الأوروبية التي اعتمدت في بداية نهوضها على الترجمة وبشكل كبير لمختلف العلوم ، لكي تستطيع هذه الشعوب التعرف على هذه العلوم ، وللتسهيل على شعوبهم الفهم والاستيعاب بشكل قوي وسريع ومبدع.
فاليابان تدرس في جامعاتها وكلياتها بلغتها اليابانية ، وهي بذلك أصبحت من أفضل دول العالم في الصناعات والهندسة ومختلف العلوم الحديثة ، بل وأصبحت تتفوق حضارياً وحداثياً على معظم دول العالم ، إن لم تتفوق عليها جميعاً ، وعلى الرغم أن اليابان في بدايات تقدمها العلمي تعلمت معظم العلوم الحديثة من عند الغرب ، ولكنها ترجمت هذه العلوم التي تعرفت عليها للغتها اليابانية وبذلك تفوقت على الغرب نفسه في الحضارة والحداثة ، وكذلك كوريا الجنوبية أتبعت نهج اليابان في التعرف على العلوم الحديثة وبعد ذلك ترجمتها للغتها الأم وتعليم شعبها لهذه العلوم بلغة الشعب نفسه بعد الترجمة.
وأصبحت بذلك كوريا الجنوبية في مطافئ دول العالم الحضاري الحديث المتقدم على كافة الأصعدة.
وكذلك لو نظرنا للغة العبرية التي كانت في سبات لأكثر من 1500 الف وخمس مئة سنة ، لوجدنا أن اليهود استطاعوا إحيائها من جديد لتصبح لغة التكلم بل وأصبحت لغة الجامعات والكليات وجميع العلوم الحديثة والإنسانية عند اليهود في الأراضي المحتلة ، وأصبحت بعد ذلك هذه الجامعات تحتل مراكز متقدمة في تصنيف أفضل الجامعات في العالم.
فجميع دول العالم الحديث تستفيد من علوم بعضها البعض ولكنها بعد التعرف على علوم بعضها البعض تقوم كل دولة بترجمة هذه العلوم إلى لغتها الأصلية ، ليتم بعد ذلك تدريس هذه العلوم باللغات الأصلية لهذه الشعوب.
فالطب في المانيا يدرس باللغة الألمانية ، وعلى الرغم من ذلك نجد التفوق الطبي الكبير في المانيا ، وكذلك الطب في فرنسا وروسيا وغيرها من الدول.
فألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها الكثير من دول العالم الحديث المتقدم ، جميع هذه الدول تدرس جميع العلوم الحديثة والإنسانية بلغاتها الأم ، ونجدها تسود العالم بقوتها وعلمها وحداثتها وتقدمها وحضارتها ، بينما نجد العرب الذين يهملون لغتهم العربية في العلوم الحديثة والإنسانية ، نجدهم مصنفين في دول العالم الثالث المتخلف.
فنهوض أي حضارة يعتمد في بداياته على حركة ترجمة ونقل كبير لمختلف أنواع العلوم ، والسبب الرئيسي لتخلف النشاط عن الترجمة ونقل العلوم الأخرى للعربية ، هو افتقار العرب لمشروع تنموي واضح وشامل يتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية.
فما تعانيه الحضارة العربية ولغة القرآن مردة إلى ضعف الوعي عند اصحاب القرار العرب ، الذين يتكبرون ويستصغرون لغتهم العربية ، ويجعلون محلها لغات أخرى ، ويرون أن اللغة العربية ناقصة ولا تصلح للعلوم الحديثة والإنسانية المتجددة ، وهم بذلك يضعفون من شأن أنفسهم وهويتهم ولغتهم وثقافتهم وشعبهم العربي أمام لغات وثقافات وشعوب العالم أجمع.
بقلم الكاتب / محمد اليافعي
alkanackanac@gmail.com