وعندما وصل إلى أرض الوطن ، أحس بسعادة عارمة فهو منذ سنين يفتقدها ، فركب سيارة أجرة وقلبه وروحه تسبقه لوالديه ، وهو في قمة الشوق واللهفة للقائهم وتقبيل رأسيهما ويديهما .
فدخل البيت ووجد والده ووالدته جالسين بالصالة ، فرأته والدته وصرخت صرخة فرح وبادلها والده بالضحكات ، وتبادلا العناق والشكر لله على نعمه ، وقَرّة عين والديه به وقَرّ عينه بوالديه، ووجد معهما إحدى أخواته التي بدورها عبرت عن سرورها برؤيته بصحة وعافية .
وكلها أيام حتى قام بأخذ أوراقه ، واتجه نحو إحدى الجامعات ليُقدّم على العمل بها معيدا ، وبفضل لله تم له ماأراد ، وبدأ بمزاولة عمله بكل جد واجتهاد ، وقام بالتأسيس لحياته المستقبلية شيئاً فشيئا .
وأيام الراحة لا تدوم كثيرا ، فعندما تحسن وضعه وبدأ بتكوين نفسه ، جاءته صدمة لم تكن بالحسبان وهذه الصدمة تسببت له بأزمة نفسية حادة .
هذه الصدمة هي وفاة والده - رحمه الله - فنزل عليه الخبر كالصاعقة ، ولا يستطيع وصف هذه الحاله إلا من مر بها - رحم الله والدينا أحياءً وأمواتا - ولقد مرة بنوبة بكاء كبيرة ، ليس اعتراضاً على قدر الله ولكن عظمة الموقف وجلله .
وفتح باب العزاء في بيتهم ، وقد أتى إليه العديد من المعزين، ومر اليوم الأول والثاني والعدد في ازدياد ، وفي اليوم الثالث وصل فيه الألم والفراق والإرهاق مبلغاً عظيماً ، وفي ليلة ذلك اليوم نام نومة طويلة ، مصحوبة بكوابس كثيرة وأحلام مزعجة ، واستيقظ لصلاة الفجر ورجع إلى النوم ، وفي عصر ذلك اليوم وكان جالساً على سور منزله ، وفي لحظة هدوء عجيبة في الشارع الأمامي لمنزلهم ، رأى رجلاً يمشي بكل هدوء ورغم ألم عينيه من كثر بكائه على والده ، حاول أن يتفحص ملامح ذلك الرجل ، ليعرف من هو ؟ وهل هو أتٍ لبيتنا ؟ أم لبيت أحد الجيران ؟.
وفجأة تبينت له ملامح ذلك الرجل ، ولم يكن مصدّقاً عينيه في البداية ، فقد كات ذلك الرجل هو صديقه الخليجي ، فاختلطت عنده مشاعر الفرح بزيارة صديقه ، والحزن على أبيه ، فاتخذ قراراً غريباً قد نتفق معه أو لا نتفق ، ولكن هو هذا اختياره وقراره ولا يستطيع أحداً محاسبته عليه .
وعندما تأكد أنه هو صديقه ، فكر قليلاً وقال لنفسه صديقي قادم إلي من أجل أن يكون سعيدا وفرحاً ومسرورا بوقته ، وهذه أول زيارة له عندي فلابد أن أخبئ عليه وفاة والدي ، وقد أخبره إذا سنحت الفرصة فيما بعد ، فنزل مسرعاً ألى أمه والمتواجدين بالمنزل ، وقال لهم لا أريد أن أرى في البيت أي مظهر حزن أو بكاء ، فقالوا له لماذا ؟ فرد عليهم هذا صديقي قادم إلي ، ولا أريد أن أعكر له وقته وفرحته وشدد عليهم بذلك ، فوافقوا مغصوبين فقاموا جميعاً بترتيب مايمكن ترتيبه ، وفي لحظة الترتيب والتزيين قُرع جرس الباب .
فتهيأ لملاقاة رفيق روحه ، وفتح الباب وتعانقا بكل حرارة ودمعت عين السعودي ، فسأله صديقه الخليجي سلامات مابك ؟ ، فقال لا تشغل بالك هذه دموع الفرح بلقائك ، فتبادلا الكلام وكل واحد يحكي عن ماحصل له ، وماذا عمل من لحظة السفر من أمريكا إلى الآن ، وكالعادة الخليجي مقتصد جداً إذا جاءت أسئلة أو سواليف من هذا النوع .
وجهز السعودي غرفته الخاصة لصديقه لتكون مقراً له ، دون علم صديقه أن هذه الغرفه غرفته الخاصة ، وكان حريصاً كل الحرص على المأكل والمشرب وكأنه عائش في فندق خمسة نجوم أو أكثر .
وأخذه في جولة سياحية دينية لمكة المكرمة والمدينة المنورة ، وسياحة تنزهية داخل المملكة لأبها والباحة والطائف وغيرها من المناطق ، ورفض أن يقبض من صديقه ولو ريالاً واحد ، فشعر صديقه بسعادة عارمه لم يشعر بها من قبل في حياته .
وعندما رجعا للمنزل بعد هذه الرحلة الممتعة ، أدخل صديقه للغرفة ، وقال له عليك النوم والراحة وبإذن الله في صباح الغد نلتقي .
وكان قديماً هناك شيئاً جميلاً بين المنازل ، تقريباً ليس موجوداً الآن ، وهو إذا كان هناك أقارب يسكنون بجانب بعض ، يفتحون باباً داخلياً في سور المنزل ، يصل القلوب بالقلوب ويسهل تنقل النساء بين هذه المنازل بكل يسر وسهولة .
وفي صباح ذلك اليوم استيقض الخليجي مبكرا كعادته ، وأراد الخروج من الغرفة للإستحمام ، وفجأة مرة من ذلك الباب الداخلي بنتاً في غاية الجمال ، فرجع إلى الغرفة مسرعاً خوفاً من الله ، واحتراماً لصديقه الذي وثق به واسكنه داخل منزله ، ولكن هذه البنت لم تخرج من باله بل علقت في قلبه وروحه ، وجاء إليه صديقه فوجد فيه تغيراً بسيطاً استمر يومين ، ثم سأله في اليوم الثالث عن سبب هذا التغير ؟ ، فأجابه إجابة صدمة ذلك السعودي صدمة قوية وأوجعت قلبه .
انتهى الجزء الثالث ... نلتقي بإذن الله في الجزء الرابع .