لقد انعكست سيطرة الذهب على الناس والمجتمعات والدول في عدد كبير من الأقوال والحكم في جميع الأزمان وفي تراث الشعوب وفي عدد ضخم من الأعمال الأدبية.
فلعن الناس الذهب ومجّدوه، لكن أحداً لم يكن غير مبالٍ تجاهه أبداً.
حتى المتاحف نراها مليئة بآثار قديمة خالدة مصنوعة من معدن الذهب منحدرة إلينا من الحضارات القديمة.
إن امتلاء الخزائن بالذهب ليس وحده دليلاً على تقدم أمة من الأمم، إذ بدون اقتصاد متين ومواد خام وفيرة وإنتاج عظيم ووفرة في الأيدي العاملة والقدرات العلمية تصبح أكداس الذهب عبارة عن كتل معدنية لا حياة فيها ولا معنى لها.
إذن ما هو السّر الكامن في الذهب؟ وما هو العجيب الغريب في سحره، ولماذا ترتجف القلوب وترتعد المفاصل وتزداد النشوة عند لمسه ورؤيته؟
وما هو السّر في اكتنازه من قبل الغني والفقير، كل على قدر حاله؟
ولماذا يتقاتل الرجال والنساء من أجل الحصول عليه والاحتفاظ به؟
ما سرّ هذه المادة التي استطاعت أن تجر خراباً على العالم وجعلت الإنسان يلهث وراءها باستمرار؟ وهل سقطت امبراطوريات أو توسعت ممالك بسببه؟
إنّ الذهب شراؤه وجمعة والتزين به وادخاره واكتنازه واستعماله تنقداً، عُرف منذ قديم الزمن، واستحوذ على أفكار الناس في مختلف الأمكنة والأزمنة.
لقد اكتشف من الذهب منذ بدء التاريخ وإلى الآن ما يزيد على 100ألف طن، لم يهدر منها سوى5-7% بينما أخذ البترول ينضب من بعض الدول.
يقول سمير عبده في كتابه " دراسة في مؤثرات الذهب على الاقتصاد العالمي": إنّ حركة العرض والطلب في أسعار الذهب تؤثر في العالم ضمن الأطر التالية:
1- يتحدد سعر الذهب بكلفة انتاجه عادة.
2- رصيد الذهب الكلي تفوق قيمته الاقتصادية قيمة المادة الخام المكونة لها.
3- يحتفظ بالذهب لأغراض المضاربة.
4- بيع الذهب يتم وفق علاقة السعر الحالي بسعر الفائدة ومستوى الأسعار.
5- ضعف النظام النقدي القائم، جعل الذهب الملجأ الأكثر أماناً للاستثمارات.
إن فوائد الذهب كثيرة لا تحصى ولا تعد، فهو يستعمل كحلية وزينة، ويستعمل وسيلة ادخارية مستقبلية، وكذا احتياطي متين للطوارئ، ويستخدم في الصناعة والسبائك والمصاغات، ويُعدّ الذهب والاستثمار فيه عنصراً رئيسياً في كل زمان ومكان، ولذا تعددت استعمالات الذهب وتنوعت الأشكال والأساليب.
لقد أحب الناس الذهب، لا لأنه يملأ البطون الجائعة أو يدفئ الأبدان الباردة، أو يدفع عجلة الصناعة، وإنما أحبوه لعدة صفات بارزة جعلته عبر التاريخ معدناً يقصده الناس. فهو جذاب اللون، لامع قوي الاحتمال، سهل الطرق لا يصدأ، ولا يتآكل بفعل عوادي البيئة، ولا يتغيّر لونه أو ينقص وزنه.
و مع ازدياد الإقبال على استعمال الذهب كأداة للزينة والثراء الشخصي، دلت الأبحاث والتجارب على وجود فوائد أخرى لهذه المادة الصفراء، سرعان ما تم استغلالها في مختلف القطاعات الصناعية.
فقد استعمل الذهب في الصناعات الكهربائية، وكذا في مجال الصناعات الإلكترونية.
لذا، سيبقى الذهب محافظاً على خاصيته المميّزة له كاحتياطي مثالي وشكل مطلق لسيولة الرأسمال. ومن هنا اكتسب ذلك الوضع الفريد في المجال النقدي الدولي.
فبالرغم من نزع صفة النقود شكلياً عن الذهب فإن معظم الحكومات والبنوك المركزية تقريباً ما زالت تجلس على صناديقها، ولا تبدو راغبة في التخلي عن احتياطها المكدس.
بل إنه ونتيجة لمكانة الذهب بين العملات الأخرى، فإنّ عدداً من المسؤولين عن صناديق المعاشات في العالم باتوا ينظرون إلى الذهب كجهة من الجهات المعتمدة والمربحة لاستثمار ما في حقيبتهم من أموال.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية