لقد أصبحت الحياة في العصر الحديث أكثر تكلفة والمتطلبات الكمالية أكثر منها في العصور الماضية مما يعني أن الإنسان قد أصبح أكثر مسؤوليات لأنه مطالب بدفع تكاليف معيشية متصاعدة التكاليف بلا ضوابط كافية، وذلك لأنه يُحمّل نفسه مزيدا من الأعباء والهموم التي كان من الممكن تجنبّها.
فعلى سبيل المثال، فقد أصبح الإنسان يشقى لكي يدّبر ثمن جهاز التكييف ويتحمل تكاليف صيانته وتشغيله وبعد ذلك يصبح معرضاً لما يسمى بأمراض التكييف، ولقد نشأت في الطب أقسام لعلاج أمراض التكييف. فجهاز التكييف والجو المكيّف يمثلان البيئة المناسبة لنمو وتكاثر الميكروبات.
إن جهاز التكييف ملّوث حراري وصوتي مباشر للبيئة، وملوث غازي غير مباشر، لأنه في الغالب يعمل بكهرباء نتجت عن حرق وقود يلوث البيئة. وفي النهاية، تكون النتيجة بالسالب، على صحة الإنسان وعلى اقتصاديات حياته.
هذا وغني عن القول إن التكييف قد يلزم في بعض الظروف كغرف العناية المركزة، أو في المناطق ذات الطقس القاسي، ولكنه في أغلب الحالات يستخدم للوجاهة وبتأثير العادة والتقليد والرغبة في الترف الزائد.
وخطورة التلوث تكمن في استمراريته وتراكم آثاره بمرور الوقت أي أن الضرر ليس فورياً، لكن هذا التراكم الهادئ المتشابك يسبّب كارثة.
وعلى الجانب الآخر فعائد مكافحة التلوث ليس فورياً ولا خصوصياً ولا مباشراً، في حين أن عوام الناس والكثير من الفنيين يتعجلون الفوائد الشخصية المباشرة، ولذلك لا تأخذ مشكلة التلوث الاهتمام الذي تستحقه في فكر الناس.
ويترتب على ذلك العديد من الخسائر العامة من مثل:
1- تدمير الموارد البشرية وخفض انتاجيتها الحيوية.
2- كثرة الغياب عن العمل.
3- زيادة أعباء العلاج والاستشفاء.
4- تلاشي الابتكار والإبداع.
5- تأزم المشكلات الاجتماعية والنفسية.
6- إتلاف الغطاء الأخضر للأرض.
7- تضرّر الأحياء المائية والحيوانية.
ونظراً لدقة وخفاء آثار التلوث، وتداخل تأثيراته مع مؤثرات أخرى، فلم يتم التوصل حتى الآن لأساليب يمكن أن تحدد بدقة تكاليف التلوث وعوائد مكافحته، والتوجهات الاقتصادية التقليدية دائماً تركز على الربح والربح المحدد والمباشر والخاص والملموس.
وعلى العموم، فقد أصبحت المشكلة تشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني من ناحية زيادة الاعتمادات المالية اللازمة للعلاج وتوفير الأدوية استقطاعاً من اعتمادات قطاعات أخرى في مجال الخدمات العامة والإنتاج كما أن التلوث يؤدي أيضاً إلى إضعاف مساهمة المواطنين في تنفيذ خطط التنمية نتيجة تدهور الحالة الصحية بفعل التلوث في المقام الأول.
يقول د. هاني مكروم في كتابة " الهندسة البيئية ": بعد ظهور آثار التلوث للعيان، وإدراك بعض العقلاء لمدى خطورة التلوث على مستقبل الأرض، أخذت جماعات الضغط تلعب دورها.
ورغم الاهتمامات العديدة بقضايا البيئة ، بَيْدَ أنه يمكن اعتبار عام 1969م هو بداية الاهتمام الدولي الفعلي بمشكلات البيئة، حيث بدأت مناقشتها في المحافل والاجتماعات الدولية.
وتمخضت تلك المناقشات المحلية والدولية عن انعقاد العديد من المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية من أجل التحذير من مخاطر تلوث البيئة، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، وسواء أكانت محلية أو عالمية، وسواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية، وأصبحت دولية.
لقد تأثرت البيئة سلباً بالأنشطة التقنية الحديثة التي تحاول خلع الإنسان من جذوره وإبعاده عن طبيعته السوية.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية