يتراءى للمتأمل في حال الأمة الإسلامية اليوم أنها على حافة الهاوية ..! وذلك ليس بسبب الفناء "المعلق" ِ على رأسها مما أنتجته الحروب الصليبية على المسلمين في أفغانستان وسوريا والعراق ، وليس مما يفعله أتباع الملالي في طهران من طغاة العرب في الشام والعراق واليمن أو غيرها من الدول أو فناء ُ في بورما على يد خبثاء الأرض من الديانة البوذية ، فهذا الذي نراه لا يعدو كونه اعراضا ُ للمرض لا غير ، وليس هو المرض الحقيقي الذي اودى بالأمة الإسلامية إلى حالة هي اشبه بحال الذي يصارع الموج على شفير الهلاك والغرق 0
ولو أننا تعمقنا كثيرا َ في واقعنا في هذه القضية التي هي هاجس كل مسلم في أرجاء هذا العالم فنجد أن المرض الحقيقي لهذه الأمة أنها لم تعد تملك رصيدا كافيا ً من القيم الذي سبق لأجدادنا من قبل أن امتلكوه و جعلهم يقودون العالم في قرون ٍ طويلة ، ولكي نملك هذه القيم والتي هي موجودة بين صفحات تاريخنا وفي وجدان كل مسلم يغار على أمته فيجب أن نجعل نبعا ً لا يصيبه الجفاف نستسقي منه أمور حياتنا وقيمنا التي بها تقودنا في مقدمة الأمم وتجعلنا نبراسا ً لها 0
فلو ذهبنا إلى سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فسوف نجد أن النبع الذي يستسقي منه قيمه هو القرآن الكريم ، فقد سألت عائشة رضى الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت
( كان خلقه القرآن) ولكن قد يجرني البعض ممن قد يتهمني بأني رجعي بأن هذا الرجل معصوم من الخطأ وله وحي يوحى إليه فإني سوف أرد عليه في هذا المنطق بالجيل الذي أعقب هذا الرجل العظيم والذين لا يملكون العصمة وليس لديهم وحي يوحى إليهم بما يفعلون في أمور حياتهم ، فسوف نجد بأنهم متفوقين في كل شيء ونجد بأنه جيل قد قاد العالم ونشر تعاليم الدين الحنيف في أرجاء العالم ، وأن هذا النبع كان هو الذي يستسقون منه أمور الحياة فكانوا يقرؤونه ليلقون به أمر الله في خاصة شأنهم وشأن مجتمعهم والحياة التي يحيونها سويا َ ولم يقرؤوه للاستمتاع والتزويد الثقافي في محصلتهم العلمية ذلك لأنهم يعلمون بأن هذا الذكر قد نزل ليفسر سبب وجود الإنسان ووجود هذا الكون من حوله فقد قال الله تعالى فيه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فكان نورهم الذي يضيء دروبهم في جميع نواحي الحياة في أحزانه وأفراحهم ، في بيعهم وشرائهم ، في زواجهم وطلاقهم ، في حربهم وفي سلمهم ، لذلك أقول لأمتي بأنه يجب أن نجعل هذا النبع الذي نستسقي منه قيم الحق ديدننا و قدرنا لأنه نبع ُ كنبع زمزم لا يمكن له الجفاف حتى يوم القيامة (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ)0
فكل ثقافة ٍ سوف تسقط وتندثر وتصبح من الماضي إلا ثقافة ِ قد انبثقت من هذا النبع 0 فأين ثقافة الفلاسفة اليونانيين وأين ثقافة دولة المانو الهندية(البراهما) وأين الثقافة الفارسية والصينية لقد اندثرت لأنها من صنع البشر وشهواتهم كما هي الشيوعية الماركسية والعلمانية اليسارية والليبرالية الاجتماعية التي تحاول أن تقضي على هويتنا الإسلامية لهويات تحت مسمى (الحرية المطلقة) وغيرها من الثقافات المقيتة التي ليست من مبادئ قيمنا 0
لذلك متى جعلنا هذا القرآن نبعنا الذي نستسقي منه قيمنا نستطيع أن ننقذ أنفسنا من حافة الهاوية بل الأكثر من ذلك سنكون في مقدمة الأمم كما كنا في عهد جيل أهل القرآن رضي الله عنهم أجمعين.