لعل الجملة السابقة تذكر البعض من المهتمين بالمسرح العربي عموما والمصري خصوصاً بمسرحية مصرية قريبة الشبه في الجملة ، ففي الثمانينيات من القرن المنصرم عرضت في مصر مسرحية ( أخويا هايص ..وأنا لايص ) وقامت فكرتها على الصراع بين الخير والشر بين أخوين شاءت الظروف أن يفترقا عن بعضهما في صغرهما، فالأول الطامع كان قد اشتراه رجل من أبيهم الفقير وسافر به للعيش بأمريكا ، والثاني توأم الأول تربى في بيئة فقيرة وشظف العيش ولكنه مكافح مجتهد تعلم وهو يعمل بمطبعة خاله فأصبح شاعراً يوجه كلامه وأشعاره إلى أصحاب النفوذ والسلطة والطامعين فيما بأيد الفقراء من أبناء الحي الذي يسكنه ، فبعد سنوات عاد أخيه ـ الذي لا يعرفه ـ من أمريكا وقد أصبح سيناتور كبيرا، ويطالب بملكيته للحي الذي ورثه عن أبيه الذي اشتراه ورباه ، وهو الحي الذي يسكن أخيه الفقير فيه ليهدم مبانيه القديمة ليقيم أبراجاً عالية ..ويبدأ الصراع الذي لا محل لتفاصيله هنا.
تذكرت هذه المسرحية وأنا اتأمل في شاشة عرض فلاش باك ـ استدرار الماضي متيقظا دون كلام ـ مسقطا بعض الأحداث القديمة على الوضع الإنساني الراهن للمسلمين في تلك المسافة الزمنية المنقضية من الألفية الثالثة ، وانتابني من الهم والغم الكثير من حال صرنا إليها نحن أمة الإسلام عرب كنا أو عجم.
شريط الأحداث مر بعيني مليء بأحداث جسام يشيب لها الصغار في المهد، ثم توقف الشريط ليبدأ العرض البطيء ( سلوموشن ) وتخيلتني فيه أنا المسلم مصري ..فلسطيني..صومالي ..شيشاني..كشميري..آراكاني بورماوي .. نيجيري ، تشادي ..سوري ..أنا كل هؤلاء ..أموت جوعاً مرة ومرات ، وقتلاً مرات كثيرة مازالت مستمرة عمليات نحري، وأحرق حيا بكل وسائل الحرق ، أصرخ وأصرخ فأتجمد وأموت من الصقيع على حدود بين بلادي وأرض المنفى ، أموت غرقاً وتتقاذفني الأمواج وتلقي بي الأمواج على شطآن ليست ببلادي ، يذبحني الأوغاد بسكين ليستعرضوا ذواتهم مهددين أهلي وعشيرتي وإخواني..أموت قهراً من تعذيب أجسام قلوبها من حجارة وإن كانت الحجارة أرحم فيخرج منها الماء عين الحياة، أموت وقد اغتصبني الفجرة من لاخلاق لهم .
ها أنا لايص بين نبات حنظل محيطه ما يُطلق عليه جامعة الدول العربية ، وبين ضمير معول سياجه ما يطلق عليه هيئة الأمم القذرة نعم هيئة الأمم القذرة ، لا هذه أنصفت ولا تلك ناصرت.
تهلُ ليلة الأول من يناير 2017 وفي الثواني الأخيرة من 2016م ، تنطلق صواريخ مضيئة وفرقعات الاحتفالات برأس السنة الميلادية في بلاد تنتسب للإسلام ، وأتعجب هل يحتفل العالم اللامسلم بليلة رأس السنة الهجرية .. عبثاً ..
أموت جوعاً وفي بلد من بلاد المسلمين الهايصين قد أحرقوا نصف مليار دولار في دقائق معدودة.. جسدي يرتعد من الصقيع ونيران المدافيئ تضفي الهواء الساخن ليعبثوا هم بحرق نصف مليار دولار في الهواء، وبأحضانهم بنات الليل والهوى وبأيدهم كؤوس الحرام من الشراب ليزيدهم سخونة.. أموت جوعاً وآخر يفرش 10 مليون ريال على الأرض لتسير عليها عروسه ساعة زفافها، أموت جوعا وآخر يحيط رقاب الأغنام في حظيرة المواشي بسوارات الذهب، أموت كمداً فقد تبرع هو بمئات الملايين من الدولارات لجمعيات الرفق بالحيوان في أوربا ...
لذا كانت عبارتي الأولى أنا لايص ، وهو هايص . ولم أقل أخويا. فهو ليس بأخي.. فقد تركني أموت بل وتآمر عليَ لكي أموت.. فهو لا يستحق ولا يمكن أن يكون أخي.
د . رضا عريضة
مستشار أكاديمي بجامعة الإمام محمد بن سعود