تمر منطقتنا العربية بتحولات متسارعة تبحث فيها الدول عن مخرج لأزماتها وفي مقدمتها الاقتصادية، بل ويتعدى ذلك المحافظة على أمنها وهويتها السيادية.
ويمثل الأمن في الشرق الأوسط أهمية بالغة لدى المملكة العربية السعودية، فطول الحرب التي تقودها ضد المتمردين الحوثيين تمثل عامل استنزاف مع انخفاض أسعار النفط مما أثر وبشكل كبير على ميزانية المملكة وأحدث عجزاُ بأكثر من 100 مليار دولار، مما دفع المملكة للسحب من الاحتياطي النقدي الأجنبي بمعدل 12 مليار دولار شهريا وسحب جزء من أصولها في الخارج بأكثر من 70 مليار دولار في 6 أشهر.
وتأتي مشكلة تصعيد الصراع مع إيران، حيث استغلت طهران أحداث الحج - والذي أثبتت التحقيقات ضلوعها فيه - لتكثيف التوترات مع الرياض وتهديد المملكة برد فعل وحشي وعنيف بسبب ما تعرض له الحجاج الإيرانيون الذين يمثلون غالبية الضحايا في تدافع منى، وتحديها للمصالح السعودية في أماكن أخرى باليمن والبحرين وسوريا وغيرهم.
ويبقى الانكماش الأمريكي وانسحابها من الشرق الأوسط في مقابل التمدد الروسي - وهو ما ظهر في التدخل العسكري الروسي في سوريا - ليمثل عبئاً جديداً على المملكة.
كل هذه المشكلات توالت على القيادة السعودية فلم تهز وقارها، وتعاملت معها بكثير من الصبر والحكمة.. وأثبت الشعب وفاءه لوطنه وقادته بتفهمه لأسباب الانخفاض في الأجور.
ويأتي الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمس الأول مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي استغرق ساعة كاملة ليرسم ملامح علاقة وطيدة بين البلدين، من ضمن أهدافها تعزيز مكافحة الإرهاب، ومواجهة أنشطة إيران الهادفة لزعزعة استقرار المنطقة. ويؤكد اتصال الرئيس ترمب بالملك سلمان على وضوح الاتفاق بين الحليفين القديمين (السعودية والولايات المتحدة) على أن إيران خصم مشترك لا بد من مواجهة نفوذها وأنشطتها التخريبية. وضرورة «التنفيذ الصارم» للاتفاق بشأن برنامجها النووي. ويأتي ترحيب ترمب بخطط التحول الاقتصادي في السعودية ليعيد العلاقات الحميمة والعريقة بين البلدين، كما كانت عليه في عهد آخر إدارة جمهورية (جورج بوش الابن)، متخطية فترة الفتور التي اعترتها إبان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. ونظراً للأهمية الكبرى التي تحتلها القضية السورية جاء اتفاق العاهلين على ضرورة إقامة مناطق آمنة للمدنيين السوريين الفارين من القتال الدائر في بلادهم.
هذه هي بلادنا المملكة العربية السعودية ستظل مصدر اهتمام الدول بحكمة قيادتها ووفاء شعبها.. وما هذا التحول الوطني ورؤية البلاد 2030 التي ننشدها إلا فرصة لنا للتحليق نحو فضاءات من التنمية فليكن لكل واحد منا دوره في هذا التحول. ودامت راية التوحيد خفاقة.
بقلم - د. محمد بن محمد باجنيد
مدير عام فرع المعهد بالمنطقة الشرقية