العبقريات والمواهب واﻹبداعات طاقات وثروات غالية ، لا تتولد إلا بمخاض صعب من المعاناة والضغوط والحاجات والظروف الحالكة ، ولو كانت سلعاً رخيصة لخرجت من أرحام النعم ، وبطون الرفاهية ، والبيئات المترفة ، وقولهم الحاجة أم الاختراع لم يأت من فراغ ، ﻷن الاختراع وليد الحاجة ، والحاجة أم لذلك الاختراع ، ولن يتولد اختراع بلا إعمال ذهن ، وقدح زناد التفكير .
وانظر إلى العباقرة والجهابذة والمخترعين والمبدعين والمكتشفين في تاريخ اﻹنسانية كله ، تجد أن الكثرة الكاثرة منهم لم يبرز بأعماله من خلال بيئة مرفهة منعمة ، بل برز بعد معاناة وحاجات ومصاعب ؛ ﻷن المعيشة الراغدة لا تجعل الفكر اﻹنساني يبحث ويفكر ويبدع ويبحث عن الحلول وحل المشكلات ....
إن اﻷولاد الذين يولدون وملاعق الذهب في أفواههم لا خير فيهم ، فلا تنتظر منهم إبداعات ولا مواهب ولا حتى مجرد إنتاج ، ﻷن عقولهم أقفلتها توافر كل المطالب لديهم ، وأفكارهم تعطلت عن العمل المنتج ، ﻷنهم ليسوا بحاجة إلى عمل وإنتاج ، فهم عالة على المنتجين ، ووبال على المبدعين .
إن الحاجات تولد العبقريات ، والعبقريات تتولد من إعمال الذهن ، وتوظيف طاقة الفكر ، وطاقة الفكر عضلة تحتاج إلى تدريب وصقل وتشغيل ، فإذا تعطلت عن العمل جمدت وتقلصت وتقوقعت مثل أي عضلة في الجسم تماماً ، إذا عطلتها عن عملها انكمشت وتضاءلت ، وإذا استمر تعطلها عن وظيفتها الحركية فربما تفقد حيويتها وممارسة وظيفتها بمرونة وانسيابية ، والحاجات والمعاناة تعد وقوداً طبيعياً ﻹشعال طاقات التفكير وإيقاد جذواتها ، أما الراحة والدعة والترف والنعيم فهي إبر مخدرة لطاقات التفكير .
فيا أيها المعلم لا تعط طلابك المعلومات مجانية ، ولا تفكر عنهم بالنيابة ، ولا تسلق الدرس سلقاً ، ولا تلق الأفكار إلقاءً ، بل امنح طلابك الفرصة ، ليستنتجوا المعلومات استنتاجاً ، ويبحثوا عن المعلومات بأنفسهم ، استخدم الحوار والمناقشة ، ولعب اﻷدوار ، وحل المشكلات ، والتفكير الناقد ، والتفكير اﻹبداعي ، ازرع الجو المناسب لذلك ، وهيئ الفرص لطلابك لتحقيق ذلك ، اجعل طلابك يفكرون ويحللون ويصنفون ويركبون ويقومون بإشرافك وتوجبهك ، وليس بإملاءاتك وأوامرك وفرض الطاعة لك .... درب طلابك على استخدام عقولهم وأفكارهم ، واجعلهم يستمتعون بنعمة التفكير وهم يتعلمون ، اصنع بيئة جاذبة تقدح في أذهان الطلاب وهج اﻹبداع والاكتشاف ، لا تجعل عقول طلابك تصدأ ، كما يصدأ الحديد ، ﻷن أفكارهم تعطلت عن العمل واﻹنتاج بسبب سوء تعاملك مع معالجة دروسك وأنت لا تشعر ...!!
ألم تر طلابك يجيبون عن أسئلتك بإجابات كربونية ، وكأنها مستنسخة ؟؟!! ألم ترهم يسلكون سلوكاً نمطياً ، خلا من التجديد ، وتجرد من التفكير ؟؟!!
وأنت يا أيها اﻷب ، ويا أيتها اﻷم دربوا أولادكم ذكوراً وإناثاً على الاعتماد على النفس ، وأشركوهم معكم في حل بعض المشكلات ، اجعلوهم أعضاء عاملين إيجابيين في اﻷسرة ، ساعدوهم على التخطيط لمستقبلهم ، لا تدللوهم فتفسدوهم ، ولا تقسوا عليهم فتحرموهم ، دربوهم على استخدام عقولهم وأفكارهم في تنظيم برامجهم وبرامج اﻷسرة ، لا تجعلوا أولادكم مدللين لا يعتمدون على أنفسهم في شيء ، ينتظرون منكم أن تخدموهم في كل شؤونهم ، وكأنهم قد فقدوا عقولهم وأفكارهم !!! لقد رأينا آثار التدليل على أولادكم في المدارس ، حتى ترهلت أجسامهم وتورمت صدورهم ووجوههم ....!!!
أيها اﻷب :
حاور أولادك ، استمع إليهم ، شجعهم باعتدال ، حفزهم ، بث روح التنافس بينهم ، ضع لك منهجية يومية معهم ، استفتهم ، أشركهم في اﻵراء ، تلمس حاجاتهم ، عش جوهم ، تعامل معهم بخصائص نموهم ، وليس بخصائص نموك ، لا تحاكمهم بمقاييس عصرك الماضي ، ونسيت أن متغيرات عصرهم غير متغيرات عصرك ، اجعل بيئة اﻷسرة شاحذة للتفكير ، دربهم على الاقتصاد والتوفير ، وتقدير قيمة المال ، كن معهم كعضو في الفريق .....!!!!
ابن معهم البرامج اليومية واﻷسبوعية والشهرية ، وحدد معهم أهداف البرامج بدقة ووضوح ، وناقشهم في تطبيقات برامجهم ، وارسموا معايير التقويم واﻹنتاج والتطوير ....
ابدؤوا بالبرامج السهلة ، واﻷهداف القريبة ، ثم اخطوا بعدها خطوات إلى البرامج المتوسطة والكبرى واﻷهداف المتوسطة والبعيدة ...
إن الولد المدلل عاجز عن التفكير ، ﻷن فكره معطل عن العمل بتدليله ، فما الذي يدعوه إلى التفكير ، وهو لم يحتج إليه ؟؟ ولبناء تربية أولادنا على مهارات التفكير علينا أن نطبق القواعد التالية :
1 - صناعة البيئة .
هي بيئات متعددة ، وليست بيئة واحدة ، بل هي بيئة مركبة من عدة بيئات ، ويفضل أن تكون :
البيئة محفزة ، البيئة جاذبة ، البيئة ممتعة ، البيئة مناسبة ، البيئة مثيرة ، البيئة ملبية للاحتياجات .
2 - تصميم البرامج .
يفضل أن تكون :
برامج متنوعة ، برامج حل مشكلات ، برامج حياتية ، برامج مسابقات ، برامج يومية ....
3 - نشر الثقافة .
يتوافر فيها مايلي :
ثقافة الاعتماد على النفس ، ثقافة اﻹفادة من اﻷخطاء ، ثقافة استخدام التفكير ، ثقافة التخطيط ، ثقافة احترام اﻷوقات .
4 - القراءة والاطلاع .
يتحقق فيها مايلي :
التجارب ، الخبرات ، المشروعات ، اﻷفكار اﻹبداعية ، التفكير الناقد ، نماذج الموهوبين ، العقول المتباينة ، كيفية اﻹفادة من اﻷخطاء ، ونحو ذلك ....
5 - بناء الأرضيات .
يتوافر فيها مايلي :
مهارات التحليل ، مهارات التركيب ، مهارات التطبيق ، مهارات التقويم ، مهارات التصنيف ، مهارات الربط ، مهارات الموازنة ، مهارات النمذجة ....
6 - توطين التفكير .
لا تتوقف هذه القاعدة على مجرد نشر الثقافات ، بل تصبح ممارسة لايستغنى عنها في كل شؤون الحياة ، ويكون التفكير من عدة زوايا ، وبشكل إيجابي ، ولايترتب عليه أضرار ، ويحل الموضوع على نحو مناسب للمشكلة ، ولايكلف أعباء واقتصاديات كثيرة ... والله الموفق .
المشرف التربوي : عبدالعزيز بن محمد المقوشي .
إدارة تعليم محافظة البكيرية .