سعداء أنقيا من يعيشون لذة العطاء.. أدركوا أثرها على أنفسهم فاستحالت متعة قل أن يجدونها في الأخذ.. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".
نتأمل هذا الحديث فندرك عظمته صلى الله عليه وسلم فقد كان كريماً.. سخياً.. شامخاً بقيم العطاء.. ينفق بلا حدود.
تَرَاهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلّلاً
كأنّكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائِلُهْ
في ميادين العطاء لا بد أن تتغير المفاهيم المادية التي تقول بأن ما يخرج من الجيب خسارة، وما يدخل فيه ربح؛ ففي التعامل مع الله يختفي هذا المبدأ ويطل مبدأ آخر لا يعرفه سوى المحسنون؛ إنه مبدأ النمو والاستزادة والبركة والسعادة.. لمسوها في أموالهم وصحتهم فداوموا على العطاء.. كيف لا.. ورسول الحق صاحب العطاء الكبير يقول: "ما نقص مال من صدقة بل تزده، بل تزده، بل تزده".. ويروى عن أنس رضي الله عنه أنه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ًإلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل يسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها".
أعرف أن المنطق العقلي قد لا يستسيغ مبدأ العطاء والبذل بلا حدود لأنه يؤمن بالحسابات المادية، لكن في المنطق الإيماني يتعامل المسلم مع الغيب محتسباً في البداية بتسليم مطلق، ويبدأ بعد باستشعار أثره حين تتجلي مظاهر البركة في حياته؛ فيدرك أن ما يخرج من الجيب بنية العطاء في سبيل الله يُعوض أضعافاً مضاعفة، وبالتالي هو ربح وليس خسارة، قال تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم" (البقرة: 261).