إن المنظمات الخيرية التطوعية الغربية تستثمر الطاقات والقدرات النسائية بشكل فعَّال في العمل الخيري التطوعي، وتقدم للعاملات من الرواتب العالية والإمكانات البشرية والمعنوية، ما يعينهنَّ على الانطلاق قُدُمًا في العمل الخيري.
ونحن في منظماتنا الخيرية الإسلامية أولى بتشجيع المرأة المسلمة على العمل الخيري التطوعي، وتوفير ما تحتاجه من دعم مادي ومعنوي، وإطلاق قدراتها وطاقاتها الفكرية والاجتماعية والإبداعية؛ لتشارك في بناء الصرح الخيري، ودفع مسيرة العمل الخيري للأمام خطوات جادة مع توفير المناخ العفيف للمرأة المسلمة الملتزمة بدينها وتعاليمه.
إن العمل الخيري التطوعي في بلادنا يحتاج إلى جهود وقدرات وطاقات كل فرد مسلم في كل أنحاء مجتمعنا الإسلامي
إذ إن للمرأة دورًا عظيمًا ووظيفة جليلة في ممارسة العمل الخيري التطوعي بمختلف صوره وأشكاله، وذلك بما تمتاز به من قدرات وإمكانات، وسمات شخصية ونفسية وعاطفية، وأهم ما تتميز به المرأة، ويمكن استثماره في العمل الخيري التطوعي هو قدرتها العاطفية وسرعة استجابتها؛ فقد أثبتت البحوث العلمية والملاحظات الفردية أن القدرة العاطفية هي السمة الأساسية التي تتسم بها المرأة.
ويمكن توظيف واستثمار هذه السمة في مجال العمل الخيري التطوعي بين بنات جنسها؛ لأنها أقدر على التعامل مع الأيتام والأرامل، لقُدْرتها على التأثير والإقناع واستثارة عواطفهنَّ ومَيْلهنَّ لحب الخير والعطاء للعمل في هذا المجال الحيوي.
يقول سليمان بن علي العلي في كتابه: «تنمية الموارد البشرية والمالية في المنظمات الخيرية»: لقد استطاعت المرأة المسلمة في عصر النبوة أن تستثمر وقت فراغها في المشاركة الفعَّالة في أعمال البرِّ والخير؛ فكانت زينب بنت جحش - رضي الله عنها - امرأة صناع اليد، وكانت أطول أمهات المؤمنين يدًا؛ إذ كانت تدبغ وتخرز، وتتصدق في سبيل الله.
كما أسهمت الصحابيات في سقي الماء ومداواة الجَرْحَى، وهذه من أعمال الخير، وفي وقتنا الحاضر، وحيث توالت الأحداث والنكبات والحروب على مجتمعاتنا الإسلامية، وما خلّفته من أيتام وأرامل، وعَجَزَة ومعوقين، كان لا بد من بذل الجهود والأموال؛ لإعالة ورعاية أولئك الأيتام والأرامل، والعَجَزَة والمعوقين، فكان أنْ بادرت بعض المنظمات الخيرية بإنشاء لجان نسائية تقوم بالعمل الخيري في وسط النساء.
وقد تميزت مجالات عمل المرأة في العمل الخيري التطوعي من حيث: رعاية الأسر المحتاجة والفقيرة، ورعاية الأرامل، ورعاية الأيتام، وجمع التبرُّعات، وإقامة الأسواق الخيرية، والمشاركة في الأطباق الخيرية، والأسابيع الإغاثية، والمهرجانات الأسرية، ومهرجانات الطفولة والأمومة، ومع ذلك فما زال دور المرأة المسلمة المعاصرة محدودًا، في حين إن المرأة في الدول الغربية تقوم بالعمل الإغاثي في الدول المنكوبة من خلال منظماتها الخيرية بشكل حماسي.
إن أكثر من ثلثي القوى العاملة في المنظمات الخيرية التطوعية الأمريكية من النساء، بل إن 55% من المتطوعين من النساء كذلك؛ ولذا فقد أشارت بعض الإحصاءات في أمريكا أن 75% من العاملين في العمل الخيري من النساء، وتشير إحصاءات المنظمات والجمعيات الخيرية إلى أن قيمة التبرُّعات النسائية وصلت إلى حدود 35 بليون دولار سنويًّا، وأن نسبة العاملات في جمع التبرعات في المنظمات الخيرية 57%.
ومما يلفت المتأمل والمتابع لهذه الإحصاءات أهمية دور المرأة في العمل الخيري، خاصة إذا علمنا أن معظم العاملات في المنظمات الخيرية التطوعية من ذوات الشهادات العليا والمناصب القيادية.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية