تعد القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي شغلت الأمة الإسلامية لعقود عديدة، والتي بدأ ظهورها عام 1897م، وذلك مع المؤتمر الصهيوني الأول؛ الذي غرس اليهود في أرضنا الفلسطينية، لتبدأ هجرتهم إليها؛ عندما ضعفت الدولة العثمانية، وعندما وجدوا السند والمدد من قوى الشر والظلم ، والذين لايزالون يدعمونهم ويحمونهم حتى هذه اللحظة.
ولقد عانى الفلسطينيون منذ تواجد اليهود في بلادهم، ووجدوا منهم أشد أنواع البطش، والتنكيل، والقتل والتدمير، فصارعوا لوحدهم، وناضلوا دفاعاً عن حقوقهم ، وقامت لهم انتفاضة في عام 1987م ، سميت انتفاضة الحجارة، ولكن في عام 1993م وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال، واعترفت بدولة إسرائيل على أراضي 1948م ، فهي بهذا الاعتراف تكون قد تخلت عن تحرير 78% من الأرض الفلسطينية، وفي مقابل ذلك يكون للفلسطينيين في قطاعي غزة والضفة الغربية ؛ حكم ذاتي وليس دولة مستقلة.
وفي عام 2007م فازت حركة حماس بالانتخابات، إلا أن كوادر السلطة الفلسطينية لم تتعاون مع السلطة الجديدة، وبدأ العملاء والخونة بالانقلاب على حماس؛ التي تولت إدارة قطاع غزة، ليقوم الكيان الصهيوني بمحاصرتها ، وإغلاقٌ معابرها, وطرد شبابها، وهدم بعض المنازل فيها، وتضييق الخناق والمعيشة على أهلها، وهذا نزر يسير مما يقع من اليهود، الذين بين الله تعالى صفاتهم في القرآن الكريم، والتي منها: الغدر والخيانة ، الجبن والبخل، الدسائس والمؤامرات ، العلو والاستكبار .
وفي عام 2011م وقعت ثورات في بعض الدول العربية ؛ ونتج عنها الإهمال والتهاون من العالم العربي لهذه القضية، لأن كل دولة انكمشت على نفسها؛ تضمد جراحها، وتعالج أحوالها وهمومها المضافة لشعبها ، ونسوا بذلك أهلنا في فلسطين؛ حتى من عبارات التنديد والإدانة، والشجب والاستنكار ، التي كانوا يرددونها، بالرغم من تكرار العدوان، واستمرار الطغيان.
بل إن التغطية الإخبارية على القنوات الإعلامية؛ تراجعت كثيراً عن متابعة القضية الفلسطينية ، لتغدو أخبارها من الأخبار الهامشية العابرة ، والتي لا يلقى لها بالاً ، ولا تجد من القائمين عليها اهتماماً، بينما الجور يتنامى، والاعتداء يتصاعد، واليهود لم يكونوا في يومٍ من الأيامِ دعاةَ سلامٍ، ولا طلاب أمان، وهم الذين يعيشون في دولة عنصرية غريبة ، تتكون من نفوس غير متجانسة ، جاءت من بيئات اجتماعية متفاوتة ، تنخر فيها الطبقية والحزبية، والقلوب فيهم غير مجتمعة، مما يمكننا إضعافهم، وتعميق مشكلاتهم ، ثم السهولة في القضاء عليهم.
إن فلسطين هي القضية الإستراتيجية والمحورية لكلِّ مسلم غيورٍ، يحب دينِه وأمته، فيتعبَّد الله سبحانه وتعالى بالاهتمام بهذه القضية، والتي لم تكن عرقية ، أو قومية ، أو وطنية ، أو من أجل أرض، أو تراب، بل هي صراع بين التوحيد والشرك ، والكفر والإيمان، والنور والظلام، والحق والباطل ، ولهذا على كل فرد دور في مناصرة أرض الإسراء؛ وفي حدود إمكاناتِه الشخصية، وقدراته الفردية.
فله أن يتحوَّلَ إلى وسيلةٍ إعلاميةٍ، يعرض آخرَ التطورات والمستجدات للقضية أمام من حوله ، وعليه أن يسهم في نشر ثقافة العطاء بما يستطيع، فإن مصارف الزكاة الثمانية تنطبق بكاملها على أهل فلسطين، إذ فيهم الفقير والمسكين, الذي فقد ماله وأهله وبيته ومزرعته، وفيهم الأسير المقيد في السجون الصهيونية, وخلفه أسرة لا عائل لها ولا منفق، وفيهم ابن السبيل المشرد عن داره، والذي يعيش في المخيمات والمعسكرات، وفيهم الغارم ؛ الذي تراكمت عليه الديون نتيجة البطالة, وفقدان الممتلكات، وهم أجمعين مجاهدون في سبيل الله، يقاتلون عدواً شرساً لأكثر من قرن من الزمان.
ومن أجل هذه القضية ؛ فلابد من العودة الصادقة إلى الله تعالى والرجوع إليه ، فما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة، لابد من التفاؤل والبعد عن اليأس والتشاؤم، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - في أحلك الظروف وأشدّ الأيام معاناة أكثر الناس تفاؤلاً وحسن ظن بالله والمسلم الصادق يدرك أن الانتصار الأخير سيكون لهذه الأمة، (كما في حديث شجرة الغردق المشهور).
وإن الأرض المسلوبة منهم لن تعاد إلا بالجهاد في سبيل الله، وهو الطريق الوحيد لتحريرها، وهذه هي الحقيقة الساطعة على مرّ التاريخ ، فما فتح المسلمون بيت المقدس إلا بالجهاد ، وما أخرج الصليبيون من فلسطين إلا بالجهاد ،وما سوى ذلك فهو مضيعة للوقت والجهد والمال ، وأن رايات الجاهلية لن يجد أصحابها إلا مزيداً من الخسائر والدمار، والعار والشنار، ولهذا لابد وضع خطط استراتيجية شاملة؛ لمواجهة الصهيونية بالمال والعدة والعتاد.
وكذلك حماية الأمة من عوامل الهزيمة النفسية، وحالة الذِلَّ والضعف والهوان؛ إلى عوامل العزة والقوة والتمكين، والذي لن يكون ذلك، ولن يتم أبداً ؛ مالم نلجأ إلى خالقنا سبحانه وتعالى, فالدعاء من أقوى أسلحة المؤمنين في حربهم مع الكافرين, وهو الركن الرئيس من أركان النصر؛ فما تركه رسولُ الله أبدًا, والذي كان من دعائه (اللهم منزل الكتاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم ، وانصرنا عليهم) ، ولا يأس منه قط مهما عَظُمَ الخطب, وتأزمت الأمور، وإن تأخَّرت الإجابة, فالمؤمن موقن أن البلاء لا يرفعه إلا الدعاء، وأن الكيد والمكر لا يُحبطه إلا الدعاء، وأن النصر لا يُنَال إلا بالدعاء.
ومما هو مؤكد ؛ أن القضية الفلسطينية سوف تبقى من أصعب القضايا التي واجهتها الأمة الإسلامية منذ قرون طويلة ، وأنها سوف تكون المقياس الدقيق لإيمان الأمة ولقوتها واتحادها، وأنها هي المنصورة في الأخير؛ على الرغم من فواجعها ومواجعها، فالظلم مهما طال سوف يندحر ، وأن نهاية المعاناة قريبة، وأن مع العسر يسرا (إن مع العسر يسرا).
د.عبدالله سافر الغامدي ـ جدة