وجدتني أبحث عن الفرق بين الشجاعة و الجبن وفي طريقة صاحبيهما في التفكير؟ فوجدت الجواب في حكمتين بليغتين لشعبين مختلفين.
الحكمة الأولى توصل إليها الشعب الألماني بعد طول مراس و حنكة، فصاغها على الشكل التالي"الجبان شخص يفكر بساقيه ساعة الخطر" و هي الحكمة التي تعبر عن الشق الأول من عنوان المقال، و أما الثانية، و هي تعبر عن الشق الثاني من العنوان، فأحالتني على الإجابة الدقيقة على طريقة تفكير الشجاع و قد عبر عنها الإسبان كالآتي"ليس الشجاع من يعترف بالخطأ ... الشجاع من لا يكرر الخطأ" ففي بعض حالات الخطر لا يغتفر الخطأ فبالأحرى تكراره .
إن الفرق بين الناجح و الفاشل هو نفس الفرق بين الشجاع و الجبان، و كذا الفرق بين المجتمعات القوية و الضعيفة .
لا شك أن الإشارات القرآنية خير مجيب على هذا الطرح، و هو ما وجدناه في المفهوم الحقيقي للاستغفار كما خلصت إليه أبحاثنا، فمفهوم الاستغفار في التراث الإسلامي، لا يقصد به مجرد تكرار كلمة الاستغفار في الأوراد من أجل اغتسال الباطن من جنبات الغفلة، و إن كان ذلك مقصوداً بالفعل في مرحلة أولى، و لكن المقصود الحقيقي في مرحلة لاحقة، في نظرنا، هو استحضار الماضي من أجل قراءته قراءة إيجابية حتى لا نكرر الخطأ.
إن محاولات العلماء الخاطئة هي نفسها التي أوصلتهم إلى نتائج مذهلة، إن طريقة نيكول دي كوسا(1401-1446) ،الكاردينال الألماني الذي ولد بمدينة تريف التي تقع بإقليم ديوسيز بألمانيا، لحل قضية تربيع الدائرة التي شغلت علماء الرياضات في عصره رغم كونها خاطئة، إلا أنها تعتبر أولى المحاولات الأولى في مجالها، إلى أن جاء الحل في عام ١٨٨٢ على يد عالم الرياضيات الألماني كارل لويس فرديناندلينرمان (١٩٣٩–١٨٥٢). وهكذا انتهى الجدل المفتوح الذي أثرى منذ أكثر من ألفي عام بإجابة سلبية.
وعلى الرغم من ذلك، وحتى هذه الساعة، فهناك بعض الأشخاص الذين لا يزالون يسعون لحل مسألة تربيع الدائرة .
إن قطع العلاقة مع المناهج الخاطئة و انتهاج الشرعة الحسنة "البحث العلمي الدؤوب" هو من مقاصد الدين و هو عين المطلوب من قول الإله "اقرأ" في إشارة لأولي الألباب منهم من أجل تقفي مناهج البحث العلمي سعياً وراء الكمال، يذهب يهودي منوهين ، (1916-1999) إلى القول في بلاغة كبيرة" لا يمكن الوصول إلى الكمال إلا إذا أصبح البحث العلمي نمطاً للحياة" .
ينظر الدين إلى توجيه العلم في اتجاه إيكولوجي، و يأبى الإنسان إلا أن يعمي بصره عن هاته الحقيقة و يسير بالعلم في اتجاه لا ايكولوجي....في اتجاه المجهول...فما يقول الدين في هذا السياق؟
يوجه الدين الإنسان إلى حقيقة كونه نبتة إنسانية أصلها "الجنة" الحديقة ، ينبغى أن تترك في البيئة أترجاً عبقاً من العلوم النافعة، بينما يأبى الإنسان إلا أن يقلع النبتة من جذورها لجهله مصدرها و فوائدها فينتهج بالعلم سبيلاً مقاصدياً غير الذي أراده الله له و ما ذاك إلا لجهل الإنسان بحقيقته نفسه هو، و كيف له أن يتطور لكماله و هو لا يعي حتى كنهه و ماهيته؟ فلنترك التفكير بالساق و لننتهج التفكير بالأسلوب حتى نطلب الكمال البشري و ذاك مقصود الرب من الخلق.