كنت تبحث عني تجدني في ربوع الفـــرات فراشاً أطـــير في رياضه تسكرني نفحـات عــبــيره ، تغـــازلني خـــدود الورد في ظلِّ خميلةٍ غافيةٍ على أهداب المــــرج الموشى بندى الصباح الباسم يلفني بوشاح السكينة والأمل.
تجدني في انسياب الماء في ساقيةٍ عذراء يغازلها ثمر التوت اليانع على أنغام جـدول رقـراق.
تجدني في شربة ماءٍ فراتي عذبٍ يجدد نسغ الحياة في أجسادنا فيحيي الروح في كنف السعادة .
تجدني في سويعات المساء حيث الأحبة يسهرون في مقاهينا المفعمة بالحيوية تتعالى أصواتهم تُقـطِّع أوصال صمت الليل بصيحات الغلبة والفوز .
تجدني في مواطن الفكر ومنتديات الثقافة ننهل من نمير المعرفة زاداً ونغوص في بحــر اللغة العربية نستزيد من عطاءاتها يسمو بنا الفخــر، وتتباهى بنا العزة ، نجول في محاريب التراث نسبر أغواره ونستكشف خفاياه ، نستشعر عظمته، نبعثه من جـــديد دليـلاً على أصالتنا ...وإنسانيتنا .
أمَّا إذا أردت أن تبحــــث عني الآن ، فــــــذاك أمــــرٌ مختلف ، وفيه العجب إن وُصِفْ ستجدني أوصالاً مقطَّعة بسيوف الغـــــربة ، أحـلاماً مسروقـةً تبـاع في أسواق تجـــار الحروب ومروجي مفاسدها ودمارها.
ستجدني أستاف تراب الغربة قهراً، وأرشف ماء التشرد أجاجاً، تجتاحني في سكينة الليــل أشبـاح الفـــزع والخــــوف من كل شيء..... فشمسي قـــد كسفت وقمــــري قـد خُسف...أيـــن أهوي ؟ وإلى أيــــن أرتمي ؟ لمــن سأكــــون الضحــيَّـة والهــــدف؟
ستجدني ممزَّق الفكر شحيح العطاء سليل العدم ، تــربُ الشَّقاء ، أحاسيسي بانهيـار ومشاعـري في دمار ، نظرتي حائـــــرة ،وبسمتي فاتـــــرة ، الشُّرود يحــــيط بـي من كل جـــانب والقهر يمضغـــني باشتهاءٍ، والهمُّ يلـوكني في ابــتلاء، والحيـــرة تستبيـح كياني ،والهلـــع يسرق أمني وأماني . المستغلون أنشبوا أظفارهم في شراييني وامتصوا دمائي بوحشية لا توصف.
ستجدني دمعـــــةً كالجمر تحــــرق أجفـــاني في صمت الليل البهيـــم ، وحسرةً تـمزِّق الضلوع فالطريق طويل وصوتنا غير مسموع .لا غـــيث يمطـر صحراءنـا ولا غيـوم ، نجتــر من أعماقـــنا طـعـــم الكآبـــة والهموم .ألفاظنا طلاسم ، وحكاياتنا ملاحم .
لكننا رغــم المآسي كلِّها ،رغم الفـواجع كلِّها ، نبقى نغــرِّد للأمان في فضاءات الرجاء
تحدونا العودة للوطن بعد أن ننفض عن جناحيه غبار المحــنة وقتار المأساة، ليبزغ من جديد صباحنا مشرقــــاً بشمس الأمن والأمان، تشدو فيه أطيارنـــــا بقــــول الشاعــر :
ولــــي وطـــنٌ آلــيتُ ألاّ أبيعـــــه وألاّ أرى غيــــــري لـــه الدهــــر مالكــــاً .