تشكّلُ الحريات الدينية والعقائدية مشكلةً دائمة في كيفيةالتعاطي السليم معها وتمثّل تحدٍّ قوّياً وجدّيّاً أمام الحكم والحاكمين في كل زمان ومكان .والآن تُعتبر فهرنهايت الحرية الميزان والمقياس لمرونة الأديان والأنظمة من حقُّ المعتقد الى حرية الطقوس وعبر التاريخ قام حاكم المغرب والمشرق الملقب بذي القرنين بصك قوانين حرية المعتقد والدين ووضع قواعد عامة خُلّدت عبر العصور إلاّ أنّ مفاهيم الحرية تقلّبت وتبدلت كالشمس تطلعُ علينا كلّ يومٍ بحلّةٍ جديدة وزيٍّ يُلبسِ المجتمع طابعاً مميزاً في مختلف الأزمنة والامكنة فقُتِلَت شعوب وأُبِيدَت أمم ٌ بسبب المذهب والطقوس وكلِّ الأديان تطرح وتتبنّى حرية المعتقد إلا أنَّ التطبيق يُثبت الكثير من التناقضات والتساؤلات حول علاقة النظرية بالتطبيق .والقرآن الكريم يطرح مفهوم حرية الفرد والمجتمع وممارسة الشعائر والطقوس بمرونة عالية مع العلم أنّ كلمة حرية لم تذكر في القرآن إلا أنّ مفهومها يعجُّ به الكتاب الالهي الذي هو كلام الله ومنها يقول سبحانه وتعالى
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256). البقرة.
ويقرُّ في آية أخرى الاختيار بعد قول الحقّ....
وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29). الكهف.
ودائماً يأتي السؤال ماهي مساحة التطبيق العملي لكلّ فكرة ولكلّ معتقد وأين تنتهي حرية الفرد هل عندما تبتدأ حرية الآخرين .وتمتزج المصالح السياسية مع تسييس الدين وإدخاله في أتون المواجهات بين حرية الفرد وحرية الجماعة والأكثرية والأقلية فتظهر مصطلحات عديدة في كل بيئة كالرّدة إلا أن هناك على ضفاف المحيط في أقصى الارض تجربة ناجحة هي دولة البرازيل يمكن أن يستفاد منه في خضم أحداث منطقة الشرق الاوسط والفتن المذهبية فعلى سبيل المثال هذه قصة واقعية حدثت معي وصلت سيارتنا الى مطار ساوبولو مع آذان الفجر صعدتُ ورفاقي بالمصعد الكهربائي الى مكان خُصّص للعبادة والصلوات وتفاجأنا أنّ المكان وُضِعَ فيه صورة لبوصلة تحدد فيها اتجاه القبلة وفي الطرف الآخر مجموعة من الكراسي للطقوس المسيحية والبوذية أقمنا صلاة الصبح فشعرنا بنفس الراحة التي نشعر بها في مكان آخر إنّها ظاهرة بحاجة إلى التأمل و التفكر يقول الامام الحسن بن علي عليه السلام :التفكر حياة قلب البصير......فهل تصبح دور العبادة مشتركة لتكسر حواجز الاستغراب والتباعد القائم على جهلٍ بالآخر مع العلم أنّ القرآن يؤكد على التعارف بين الشعوب والأمم . وأخذت بناالذاكرة الى الامام السيد موس الصدر حين صلّى في أحد الكنائس في القرن الماضي حيث كسر الحواجز التقليدية منطلقاً الى رحابة التسامح والتراحم في عقليةٍ إنسانية متقدمة وبدأ النقاش حول مساحة الحرية في مجتمع الاغتراب .والبرازيل تتميز بالمساوة وحرية الدين والمعتقد فأبنك يُولد على الأراضي البرازيلية ليصبح مالكاً كل الحقوق الفردية والشخصية حتى أنّه يحقُّ له أن يترشح لرئاسة الجمهورية مع أنه في لبنان أو غيره من البلدان العربية والإسلامية لا يمكن له الترشح لأي منصب بسبب طائفته ومذهبه .وظواهر المساوة ميّزة بيّنة وواضحة في المجتمع البرازيلي إنه شعبٌ مضياف ومتسامح بالرغم أن الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية إلا أن لا فضل لأبيض على أسود ولا لعرقٍ على آخر إلا بالقانون الكل يتساوى تحت راية المواطنة البرازيلية مما يجعل هذه الدولة المحترمة من الدول الرائدة في نبذ العنف والتعصّب المذهبي والعنصرية التي تشعر بها في كثيرٍ من الدول وخاصة المتطورة منها وهذا لا ينفي المشكلات المتراكمة والمعقدة في هذا المجتمع المتنوع فهل تصبح الكنائس والمساجد دوراً واحدة يدخلها جميع المواطنين بدون أيّ تذمر ويمارسون شعائرهم تحت سقفٍ واحدٍ بحبٍ ووئام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ليت المآذن والكنائسُ تنطقليسودَ في عقلِ المواطن منطقُ
إمّا أخٌ في الديّنِ أو كنظيره......في الخلق كلٌّ للإله خلقُ
فدعوا التعصّب للمذاهب إنّهداءٌ عضالٌ بالحماقةِ يُلصق
[COLOR=#FF0026]بقلم الدكتور حسان الزين[/COLOR]