أصبح عندي الآن بندقية، إلى فلسطين خذوني معكم، إلى ربى حزينة كوجه المجدلية، يا أيها الرجال أريد أن أعيش أو أموت كالرجال.
كلمات ربما لا يذكرها أو حتى لا يعرفها كثيرون بيننا، وهي التي خطتها الأنامل الذهبية للشاعر العربي الكبير نزار قباني بعد عشرين عاماً من النكبة، ولحنتها أيادي الملحن العملاق محمد عبدالوهاب، وصدحت بها مدوية حنجرة كوكب الشرق أم كلثوم للتأكيد على ماهية العدو الرئيسي للأمة وإتجاه بندقيتها الحتمي نحو ذلك العدو الذي كان سبب كل الويلات والنكبات والنكسات والمصائب عليها منذ وجوده بين ظهرانيها.
اليوم وبعد 68 عاماً من إحتلال أرضنا في فلسطين وتشريد شعبنا فيها في كل بقاع الأرض أصبح كثيرون يجهلون للأسف حتى من هو عدوهم الحقيقي، فهذا الشيعي يعتبر السني أشد عليه من الصهاينة، وذلك السني يتصرف على أساس أن ذلك الشيعي أخطر عليه منهم، وهذا الحمساوي يعتبر كل فتحاوي عدوه الأول، والفتحاوي يعتبر الحمساوي أشد عليه من الشيطان، والكردي يقاتل التركي أشد من قتاله للصهاينة، وكذلك حال التركي معه، ومصري يعتبر الإخواني شيطان رجيم، وآخر مصري إخواني يعتبر أخاه المصري أشد وألد أعداءه، سوري يقاتل ابن بلده الذي كان يفترض به أن يكون عونه في الشدائد أشد من قتاله لأشد أعداء الأمة، وكذلك حال الطرف الآخر معه، وعراقي وليبي ويمني ولبناني وغيره وغيره وغيره للأسف الشديد.
هكذا أصبح حال الأمة الإسلامية والأمة العربية اليوم، فبعد أن كانت تخاطب العالم كله من أجل وقف إنتهاكات عدو واحد أصبح العالم يخاطبها لوقت إنتهاكاتها وإعتداءات كثير من أبنائها بحق إخوانهم وشركائهم في أوطانهم.
أصبحت البوصلة التي كانت تعرف وجهتها نحو فلسطين وتعرف أن كل سلاح لا يتجه إلى المساهمة في تحريرها ورفع الظلم عن أهلها هو سلاح خائن تائهة غير قادرة على التحرك، بعد أن نخرتها العداوات والحروب بين أهلها وساكنيها من الداخل، وهو ما عمل عليه الصهاينة حتى قبل أن يعلنوا إغتصاب أرض فلسطين في العام 1948م، ولمن لا يعرف ذلك عليه العودة لبروتوكلات حكماء صهيون وللمؤتمر الصهيوني الأول الذي إحتضنته سويسرا العام 1897م.
لذلك أصبحنا اليوم في أمس الحاجة لإعادة البوصلة للعمل من جديد، لتتجه نحو العدو الأول والأوحد، ذلك السرطان الذي تم زرعه بين جنباتنا ليستشري في كل الجسد الإسلامي والعربي، إذا ما كنا نريد إنقاذ الأجيال القادمة من الضياع الفكري والثقافي، علينا أن نضع أيدينا بأيدي بعضنا البعض لعلنا ننجح في التوحد ولو لمرة واحدة، ولا نقصد هنا التوحد السياسي أو الجغرافي الذي يبدو بأنه مازال بعيد المنال أو حتى ربما ضرباً من الخيال، ولكن التوحد في صيانة دماء أبناء أوطاننا على الأقل والحفاظ عليها، وعلى إعادة البصر لبوصلتنا التي أضحت رؤيتها مشوشة لا تقوى على النظر الصحيح من كثرة ما تراكم فوقها من دماء، لعلها تعود معافاة لأجيالنا القادمة وتحيي عندهم الذاكرة النقية التي كانت تعتبر الرجولة والفداء في العيش والموت دفاعاً عن أرض فلسطين المحتلة، عن كل أرض فلسطين، من صفدها إلى أقصى جنوب نقبها، ومن يافاها إلى بيسانها مروراً بالقدس الشريف، فان كانت هذه الذاكرة هي ما تبقى لنا من إرثنا الفكري والثقافي فلعلنا نحافظ عليها من أجل آلالاف الشهداء الذين دفعوا حياتهم وهم يدافعون عن أرض فلسطين وأهلها، ومن أجل آلالاف غيرهم ممن ينتظرون دورهم في ذلك، من أجل كل هؤلاء وغيرهم من الصامدين الصابرين من أهل فلسطين من القابضين على جروحهم منذ عشرات السنين أملاً في العودة إليها محررة يوماً.
لأجل كل هؤلاء ولأجل كل ذلك نرجوكم أعيدوا البوصلة قبل أن تصاب بالعمى التام وتضيع معها كل تضحيات من سبقنا، وآمال وصمود من بقي منهم، نرجوكم أن تأخذونا جميعاً إلى فلسطين لتبقى دائماً هي البوصلة التي منها تبدأ كل حروبنا وفيها تنتهي.