شرفني الله بالتدريس في جامعة أم القرى قسم الكتاب والسنة في مرحلتي البكالريوس والدراسات العليا مواد ( القرآن الكريم والتفسير وعلوم القرآن وأحكام القرآن ، والحديث وعلوم الحديث والتخريج وتحقيق المخطوطات ) وغيرها ، وأشرفت على بعض الرسائل العلمية ، والطلاب الذين شرفت بتدريسهم في الجامعة هم ( طلاب الثانوية العامة ، ودار الحديث الخيرية ، والمكية ، والمعاهد العلمية ، ومعهد الحرم المكي ، ومعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بعد تخرجهم منها والتحاقهم بأقسام الجامعة ) ، ومن الجدير بالذكر أن أُنَوِّه أن طلاب معهد اللغة العربية هم مَن اختيروا للحصول على منح مقدمة من المملكة العربية السعودية للدراسة في جامعاتها ، ومن اللافت للنظر أن هؤلاء الطلاب قد تميزوا عن غيرهم ، ومن العجيب أن ترى هؤلاء الذين أُعْطُوا هذه المنح قد اعتلوا من البناء الصرح ، وحازوا قصب السبق في التقدم ، وبَزُّوْا أقرانهم في التعلم ، فتراهم يتقنون من العلوم الشرعية ما يعكف غيرهم عليه عبر سنوات .
ففي أقل من سنتين أتقن الكثير منهم اللغة العربية ، وبرعوا في العلوم القرآنية والشرعية ، وحفظوا الكثير من الأحاديث النبوية ، وطفق الكثير منهم يرتقي من نجاح إلى نجاح ، ولا يُجاريهم في ذلك سوى طلاب المعهد العلمي ومعهد الحرم المكي وطلاب دار الحديث ، وقليل من طلاب الثانوية العامة هم المتميزون ، فأكثر الطلاب لا يتعدى طموحهم أن يحصل على تقدير جيد وأن يتوظف ، وإن قبل في كلية الشريعة أو الدعوة أحياناً فذلك لأن نسبته لا تؤهله للقبول في أي قسم آخر .
وهنا أشير إلى أمر أعانيه ويعانيه كثير من الأساتذة ألا وهو رداءة خطوط الطلاب فعندما تتصفح أوراق الاختبارات تجد الْعَجَب الْعُجاب ، وتجد صعوبة في قراءتها ، فخطوط أكثر الطلاب رديئة ، ويحتاجون إلى دورات في الخط العربي ، بل إن خطوط بعضهم أشبه بمخطوط كتب في القرن الثاني بخط رديء يحتاج المصحح فيه إلى ( مسطرة ومنقلة ومكبر وناظور ) ، وأما اذا استمعت إلى تلاوات بعضهم للقرآن الكريم نظراً فإنك تسمع عجبا ، وسوف تستغفر الله في كل ثانية ، ثم تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم تصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لكي يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً مما تنظر وتسمع ، فإنك تسمع القراءة باللهجات العامية وقراءات غريبة ، وتستغرب تماماً كيف مر الطالب بكل هذه المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية ) ، ولم يتقن قراءة القرآن ولا الخط العربي ولا الإملاء ؟ !
وهذا الضعف في الغالب الأعم يشمل بعض طلاب الماجستير والدكتوراة ، وقد اجتهدت جامعة أم القرى وقررت فيما مضى إلزام المتقدمين لطلب الحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه تسميع سورة البقرة وسورة آلِ عمران والنساء ، واستمر العمل بذلك فترة ثم ألغي ، وشاركت مع مجموعة من الفضلاء والعلماء في لجنة اختبار الطلاب والطالبات عام ١٤١٧هـ وما بعدها فتَعِبْتُ وتَعِبَتِ اللجنة من كثرة الأخطاء في القراءة من غالبية الطلاب المتقدمين ، وقام القسم بعمل دورات تدريبية في الجامعة وفي المساجد لمساعدة الطلاب ، وجاءتني طالبة في الماجستير وقرأت ( قُبْلَةً ) ترضاها بضم القاف ، فضحكت اللجنة وأنكرت عليها ذلك ، وأرشدتها إلى الالتحاق بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم الخيرية المسائية حتى تتمكن من الحصول على المطلوب ، وفعلت ووفقت ، وأذكر الاجتماع الذي عقد في رحاب كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى بين أعضاء من قسم القراءات وبين وفد من وزارة التربية والتعليم كلية المعلمين من الرياض ، وقد حضر الاجتماع من جانب كلية المعلمين أخي فضيلة الدكتور محمد الفوزان ونوقش في الاجتماع أسباب ضعف الطلاب والطالبات في قراءة القرآن الكريم ، الأسباب ، طرق العلاج ، وخرجت اللجنة بتوصيات ممتازة فريدة ربما تظل حبيسة الأدراج وحيدة ، هذا وهناك حلقة مفرغة بين الجامعات والتربية والتعليم ، فكل يرمي بالمسؤولية على الآخر حتى صارت الآن وزارة واحدة ، ولا أدري من يتحمل المسؤولية ؟ ولا أعلم أين الخطأ ؟ هل هو في الكلية ؟ أم في القسم ؟ أم في المدرسين ؟ أم في الطلاب ؟ والسؤال الأهم كيف استطاع الطالب في معهد اللغة العربية أن يتقن في سنتين ما لم يتقنه طلابنا في اثني عشر ( ١٢ ) عاماً ؟ وكيف اغتنم الوقت الباقي والتحق بدورات حفظ القرآن الكريم والمتون العلمية في المساجد والحرم المكي الشريف ؟
وعندما لاحظت تميز طلاب معهد اللغة العربية عن غيرهم عملت استبياناً شارك فيه جميع الطلاب ومنهم طلاب معهد اللغة في فصل من الفصول ، وفيه أسئلة مختارة منها ماذا تفعل في نهاية اليوم ؟ متى تقوم بعمل الواجبات اليومية ؟ ماذا تفعل في الإجازة الأسبوعية ؟ متى تستعد للمذاكرة للاختبار النهائي ؟ ووجدت من خلال الإجابة أن غالبية طلاب ( معهد اللغة - والحرم - والمعهد العلمي - ودار الحديث ) منظمون في أوقاتهم ومذاكرتهم ، وعندهم تخطيط عملي وبرنامج في المذاكرة ( المذاكرة اليومية ، والأسبوعية ، والشهرية ، وقبل الاختبار بشهر ، وليلة الاختبار ) حتى يحصل على درجة ( ٩٥ ) فأكثر ، ولديهم تخطيط مسبق منظم في جميع الأمور ، ولاحظت أن أكثر طلاب الثانوية العامة لا يوجد لديهم تخطيط مسبق ولا يذاكرون إلا قبل الاختبار بأسبوع أو ليلة الاختبار ؛ لذا فهم بحاجة ماسة إلى إعادة التخطيط والتنظيم من جديد و إلى الإرادة التي تفل الحديد والهمة العالية في المذاكرة والواجبات اليومية وجميع أمورهم ، ترى هل لتلك الأمور هم مدركون ؟ وهل هم فاعلون ؟ ومن يوجههم ويأخذ بأيديهم ؟
د. عبد الودود حنيف
الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى .