ما بين الشرف وحفظ الكرامة
عامل التنظيف أو عامل النظافة : هو عامل صناعي أو منزلي أو أو .. الخ من المسميات الأخرى، حيث يقوم بتنظيف الشوارع أو الأحياء أو المنازل أو المكاتب على أن يتم دفع مبلغ من المال له مقابل ذلك، وخلافاً لغيره من العمال فمهمته الأساسية هي التنظيف، وقد يتخصص في تنظيف أشياء أو أماكن معينة مثل عمال تنظيف النوافذ، كما أن البعض من عمال التنظيف قد يعملون عندما يكون أصحاب المكان المراد تنظيفه غير موجودين، فهو قد يقوم بتنظيف المكاتب أو المنازل في وقت الليل وذلك ضمن ساعات العمل، ويبقى الشق الأخر أو الشريحة الأهم إلى ذكرهم في مقالي هذا الآ وهم عمال النظافة، وما يعانوه ويواجهوه دائما من صعوبة شاقة في أعمالهم خاصة مع موجة الحر التي تعرفها مملكتنا الحبيبة، مما يجعلهم يبذلون جهدا فوق طاقتهم من خلال تجوالهم عبر الأحياء وفي الشوارع حاملين معهم المكنسات والصناديق المخصصة لرفع النفايات وهم يتصببون عرقا، ليبقى هدفهم النبيل تنظيف شوارعنا وأحيائنا ومدينتا وجعلها نظيفة حفاظا على صحة السكان والذين مازال البعض منهم ومع الأسف يسيئون إلى هذه الفئة من العمال، بل وينظرون إليهم نظرة كره واحتقار وكذلك نظرة تعالي وكبر مفرط، ولم يفكروا يوما بأن لهم الفضل بعد الله في جعل كل ما حولهم نظيفا ومبرقا من أثار النظافة، ولولاهم ما أن عاشوا في حياتهم ومدينتهم وأحيائهم يوما من أثر قاذوراتهم ووساختهم التي أصبحت تشكل عادة يومية في حياتهم، وبهذا فهم لم ولن يستطيعوا الاستغناء عنهم ولو ليوم واحد بل ولبضع ساعات . ويعتقد البعض أن مهنة عمال النظافة بسيطة، ولكنها في الحقيقة تتطلب جهدا كبيرا بالنسبة لهؤلاء العاملين الذين تواجههم مصاعب كبيرة ومعاناة حقيقية، خاصة أنهم يحرصون على نظافة جميع ما هو مطلوب منهم بكل أمانة وعلى أكمل وجه ليكونوا أول من يصطدم بالسلوكيات السلبية للمواطنين في الحفاظ على نظافة محيطهم، بالرغم من نظرة المجتمع لهذه الشريحة من العمال فمنهم من اختلف ما بين من يرى أنّ عمال النظافة يستحقون فعلا كل التقدير والاحترام، ليكون شاكرا لمساعيهم النبيلة في المحافظة على نظافة وجمال الأحياء، إلا أن البعض الآخر ممن يحتقرونهم بتلك النظرات الجارحة ولا يكنون لهم لأي احترام لأصحاب هذه المهنة الشريفة، والذين مازالوا يتكبدون العناء والشقاء وأيضا من تعب حمل النفايات من أمام منازل الأشخاص، بل ويسعون مع كل موعد إلى تخليص تلك الشوارع والأحياء من الزبالة المتراكمة، متحملين تلك الروائح الكريهة وتعريض صحتهم لخطر الجراثيم والأمراض التي تحدق بهم، ليبقى التساؤل المطروح هل يستحقون بعد كل ذلك إلى تلك النظرات والتعليقات الجارحة؟ لقد قرأنا بل وسمعنا قبل سنة تقريبا عن ما قام به وزير العدل المصري السابق صابر محفوظ وذلك بتقديم استقالته من منصبه بعد تصريحاته المسيئة في حق عمال النظافة والتي أعتبرهم فيها أن أبناءهم غير مؤهلين لدخول سلك القضاء، مشيرا إلى أن تصريحاته لم تكن إلا زلة لسان، كما أبدى احترامه وتقديره لكل شرائح المجتمع وكل المهنيين والعاملين الكادحين وأنه قرر التقدم باستقالته احتراما للرأي العام، وأيضا ما شاهده البعض منا عن إحدى الحلقات والتي كانت تعرض في شهر رمضان والتي تسمى بـ : خواطر عن عمال النظافة في اليابان وأن مهنتهم مازالت تعتبر من أهم بل والأغلى أجرا بعكس بقية المهن الأخرى، وما يلاقوه من حسن احترام وتقدير لدى مجتمعهم الذي يعي ويقدر ويحترم مهنتهم الشريفة، وكذا الحال أيضا مع أكثر الدول الأوربية والغربية والتي مازالت تعرف جيدا أهمية صاحب هذه المهنة ومكانته المرموقة لديهم فلولاه ما أصبحت مدينتهم نظيفة وراقية ومرتبة بل ومتميزة عن باقي المدن الأخرى ويبقى هذا الشعار دائما " النظافة من الإيمان " مطبقا لديهم بعكسنا تماما وعليه .. فيكفينا كبرا وتعاليا عليهم، وآن الأوان أن نحترم مهنتهم الشريفة ولا نخجل منهم بل علينا أولا أن نخجل من أنفسنا لأننا سبب في وجودهم ونظافتهم لنا بدلا من أن نحسن تعاملنا معهم وأن نحترمهم ونقدرهم ونرحمهم أيضا، ولنعلم جيدا أن عمال النظافة لم يأتوا إلينا إلا من أجل أن يعينوا أسرهم، ولولا حاجتهم وظروفهم القاسية والفقر المقحم في بلدهم ما وجدناهم في بلدنا كي يعملوا وينظفوا، ولما رضوا من الأساس أن يكونوا بيننا وفي نظافتهم لنا، وبكسبهم لقوت يومهم بكل شرف وتعفف بعيدا عن تسولهم، ولهذا .. فلنشفق عليهم وأن نحترم ونقدر عملهم ومهنتهم الشريفة وكذلك فنرحمهم، ولنرحم من في الأرض ليرحمنا من في السماء، ولنبادر بالابتسامة في وجهوهم، ولنعطيهم مما أعطانا الله أو مما تجود به أنفسنا، ويكفي تحملهم عنا ويكفينا تعاليا وكبرا عليهم، وأعاننا الله على بعض القلوب المريضة والعقول التي لازالت تفكر بكل تعالي وكبر، وأعانهم الله علينا وما يلاقوه من مضايقة ونظرة دونية قد رسمت معالمها بالتعالي والاحتقار، رغم أن مهنتهم لم تكن إلا كشرف لهم وحفظ لكرامتهم .
سامي أبودش
كاتب مقالات .
02/12/2015 3:09 م
لا يوجد وسوم
0
54377
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/2978691/