لا شك أن الحرب الالكترونية كانت سلاح هام و حاضر فى جميع أوقات العواصف التى ضربت الشرق الاوسط ببداية عام 2011م تحت مسمى الربيع العربى، و بعد دخول المنطقة الى مرحلة جديدة بعد الاتفاق النووى بين ايران و الدول الست الكبار و الاستعداد لقدوم العواصف التالية من شمال شرق الخليج العربى بات من الضروري ان نعرف قوة و حجم الجيش الايراني الاليكترونى، خاصة و ان طهران كان مقدر لها ربيعا ( على غرار الربيع العربي ) فى 2009م أثناء فترة الانتخابات الرئاسية، و لكن قبل ان تأتى لها العواصف الاليكترونية كتمهيد لثورة ضد النظام وقتها كانت طهران تقطع الطريق بعواصف جيشها الاليكتروني بين الخارج و المعارضة بالداخل فدعونا نقراء القصة من بدايتها .
مع ظهور شبكة معلومات و مواقع التواصل الاجتماعى و بالتزامن مع الحراك السياسى الداخلى بأيران و تضخم نفوذ المعارضة الايرانية قبل الانتخابات الرئاسية 2009م، و حدوث العديد من التظاهرات الضخمة التى لم تكتفى بالتنديد بأحمدي نجاد بل و بنظام الخوميني ككل، كانت المعارضة الايرانية كالحركة الخضراء و غيرها على اتصال دائم بجمعيات و مراكز حقوقية و اعلامية و سياسية فى الولايات المتحدة و اوربا، و هنا ظهرت مجموعة أخرى الكترونية بدئت هى بالتواصل مع تلك المراكز بالغرب و المواقع الامريكية التى كانت تستهدف التواصل المريب مع المعارضة، قبل ان تقوم تلك المجموعات باختراق كافة حسابات المعارضة لكي تقطع الطريق بين المعارضة و الخارج و تعزلها عن العالم تمهيدا للتعامل المباشر معها، و بعد ذلك ظهرت تلك المجموعات بأسمها الحقيقي الا و هو Ir.CA" " أي الجيش الايرانى الالكتروني، جدير بالذكر أن مجموعة واحدة من مجموعات الجيش الالكترونى الايراني استطاعت وقتها السيطرة على 300 ألف جهاز كمبيوتر داخل إيران و مراقبة كافة مستخدمي، و بنفس العام الذى كان به اولى الاشتباكات الضخمة للجيش الايراني الالكتروني شهد عام 2009م الميلاد الحقيقي للجيش الايراني الالكتروني على الساحة العالمية بعد أن نفذ أكثر من عملية قرصنة على مواقع عالمية كموقع التواصل الاجتماعى تويتر، و بالعام التالى قام بالقرصنة على موقع بايدو ( محرك البحث الصيني ) ثم موقع صوت أمريكا .
و فى عام 2011م قامت السلطات الايرانية بعملية تجنيد واسعة لتعزيز قدراتها الإلكترونية بعد تجنيد المئات من الشباب العشريني العمر المتخصصون و المحترفون ببرامج القرصنة و المهتم بأتقان برمجيات الكمبيوتر بعد ان وضع لهم الحرس الثوري مرتبات شهرية ضخمة جدا، و بنفس العام بدئت ايران فى الاستهداف الالكتروني لعدد من المؤسسات الحكومية الأمريكية كالمنشآت النووية، و بعام 2012م بدئت طهران فى شن سلسلة من الهجمات الإلكترونية على مؤسسات اقتصادية ومالية كبرى بالولايات المتحدة مثل جي بي مورغان، ات اس بي سي، ستي جروب، سن ترست .
و بشهر مارس 2013م أعلن على خامئني انشاء المجلس الاعلى للفضاء الالكتروني و يضم كلا من رئيس الجمهورية الاسلامية و المتحدث بأسم البرلمان الايرانى و رئيس القضاء الاعلى و قائد الحرس الثوري و قائد الشرطة و ممثل المرشد الاعلى و المسئولين بكلا من قطاع تكنولوجيا المعلومات و العلوم و قطاع البث الرسمي، و منذ نشأته اتخذ المجلس الاعلى للفضاء الالكتروني خطوات هامة و سريعة لتطوير قدرات ايران الالكترونية كأنشاء العديد من المؤسسات و المراكز البحثية بمجال الفضاء الالكتروني، و تخريج دفعات من المتخصصين فى مجال أمن المعلومات، و تطوير كافة المؤسسات التى تعمل بمجال الاتصالات و أمن المعلومات و علوم الكمبيوتر، و دعم مجموعات الحرس الثوري الالكترونية التى تستهدف الدول المعادية لايران، و بعد تنامى خطر الجيش الايراني الالكتروني و كثرة تعرضه لاهداف بالولايات المتحدة كبدت الاقتصاد الامريكي مليارات جاء الثأر قويا بأغتيال مجبتي أحمد قائد برنامج الحرب الالكترونية بأكتوبر 2013م .
و في ديسمبر 2014 أظهر تقرير كايلانس عن الأمن الإلكتروني يوضح أن إيران نفذت هجمات الالكترونية على خمسون مؤسسة في 16 دولة يأتى فى مقدمتهم الولايات المتحدة بعد اختراق الجيش الايرانى الالكتروني للعديد من الاهداف و المنشأت الهامة كشبكة البنية التحتية الأمريكية و شركات النفط الكبرى و الكهرباء و الغاز و المياه و الطرق و النقل و شبكات أمن المطارات و قطاع البنوك و المصارف و يأتى فى مقدمتهم بنك أوف أمريكا و بنك جيه بي مورغانو و بنك يلز فارغو، و هو الامر الذى جعل البيت الابيض يصدر قوانين جديدة تتيح للولايات المتحدة وضع عقوبات اقتصادية على الدول التى تقدم على القرصنة الإلكترونية و تشكل تهديدا لاقتصاد الولايات المتحدة، قبل أن يرد العميد قولامريزا جلالي أن بلاده ستقاتل العدو حتى في الفضاء الإلكتروني .
و كان من أبرز هجمات ايران الالكترونية اختراق شركة النفط السعودية أرامكو و تدمير 30 الف جهاز كمبيوتر بعد تعطيل العمل بالشركة لمدة يوم كامل و بنفس اليوم تم أختراق و تعطيل كافة أجهزة شركة رأس غاز القطرية للغاز الطبيعي بعام 2012م، و عند حدوث انقطاع للكهرباء بكافة الولايات التركية بأخر ايام شهر مارس الماضى كان اول شبح ظهر امام مدير الاستخبارات التركية هاكان فيدان أثناء الظلام الدامس هو الجيش الايراني الالكتروني .
حقيقة الامر ايران وجدت لنفسها سلاحين يمنحوها التقدم فى المواجهات بعد أن ذهبت للحروب اللاتناظرية، الحروب التى تجنبها كشف نقاط الضعف العسكري لديها بجانب قلة تكلفتها المادية، و بحكم عدم اجادة دول المنطقة فى التعامل مع ذلك السلاحين التى تجيدهم طهران بأمتياز أصبح لطهران أذرع طويلة بالاقليم، فالسلاح الاول هو حرب العصابات بعد ان بات لطهران جيوش و كتائب فى دول المنطقة كحزب الله بلبنان، و انصار الله باليمن، و سرايا الاشتر و ائتلاف 14 فبراير و غيرها بالبحرين، بجانب ما يقرب من أربعون حزب و حركة و كتيبة مسلحة بالعراق، بجانب مليشيات بقطاع غزة و دول القرن الافريقي و غرب افريقيا متغيرة فى الاسم و الشكل لكن الهدف واحد . و السلاح الثانى كان السلاح الالكترونى و الذى جعل المنافسة فى ذلك المجال مقصورة فى الاقليم بين طهران و تل ابيب فقط .
فالمفاعلات النووية التى سعت ايران على تنفيذها منذ 30 عاما و لم تنتهي منها حتى قبل توقيع الاتفاق مع الغرب ! و السلاح النووي الذى افتى خامئني بتحريم امتلاكه ! بجانب ان استخدامه ضد اى دولة فى المنطقة او ضد اسرائيل كما كانت تزعم ايران سيدمر دول الاقليم جميعا بما فيها ايران ! لم يكن الا ورقة كي تجلس بها طهران على طاولة الكبار ثم تتفاوض بها مع الغرب على كيفية أعادة ترسيم المنطقة من جديد و ما ستحصده فى الخليج، و اذا كان الغرب بعد الاتفاق النووي قد قام بتنصيب طهران كشرطي جديد للمنطقة فايران بدئت تعد جيشها الامامي و اول الكتائب التى تدخل فى المواجهات الا و هو جيشها الالكتروني و ما يمتلكه من ادوات و ما ينفذه من اساليب تندرج تحت " الجيل الرابع من الحروب " كي تزعزع بها بين الشعوب العربية و بعضها، و بين الشعوب و حكامهم، و تجلى ذلك الامر بالفترة الاخيرة التى شهدت هجوم شرس سواء من الاعلام الايراني كقناة المنار التى تقوم الان ضد السعودية بالدور الذى لعبته قناة الجزيرة القطرية ضد مصر ببداية عواصف الربيع العبري بعام 2011م، أو من خلال اللجان الالكترونية التى تهدف لبث الفتن بين الشعوب و قادتها و حكامها، و بين المواطنين و جيشهم و لنا فى رد فعل طهران على طرد البحرين للسفير الايراني و فى حادث تدافع الحجاج فى منى عبرة .
فادى عيد
الباحث السياسي و المحلل الاستراتيجي
fady.world86@gmail.com