يقول روبرت هيرلي : إن ما يقرب من نصف المديرين لا يثقون برؤسائهم. هذا ما اكتشفته عندما أجريت استطلاع رأي شمل 450 مديراً لثلاثين شركة من مختلف أنحاء العالم.
ولقد كانت النتائج ، التي توصلت إليها دراسة أجراها جولين هاريس لعدد من الشركات الأمريكية في العام 2002 بالقدر نفسه من التشاؤم، حيث اتفق 69 في المائة على رأي يقول: ((إنني لا أعرف بالضبط من الذي سأثق به بعد الآن)).
وفي ذلك العام نفسه أجرت جامعة شيكاغو دراسة لنحو 800 أمريكي ، وتبين من تلك الدراسة أن أكثر من أربعة من كل خمسة أشخاص لديهم ((فقط بعض)) أو ((أقل القليل)) من ((الثقة بالأشخاص الذين يديرون مؤسسات كبرى)) ، وبالتأكيد فإن الوثوق بقادة المؤسسات يعد بصفة عامة أمراً مختلفاً عن الوثوق بالرؤساء التنفيذيين المباشرين. كما أنه بالنسبة لبعض الشركات ومسؤوليها التنفيذيين هناك شبه إجماع على أنهم جديرون بالثقة لكن الاتجاه العام مثير للقلق. ومصدر هذا القلق أن بيئة يسودها الارتياب تؤدي إلى مشاكل خطيرة وأحيانا مدمرة.
فمن الأهمية بمكان للمديرين إذن أن يطوروا من المفاهيم المتعلقة بالثقة على نحو أفضل، وأن يحسنوا كيفية التعامل معها. لذا ، فإن هناك عشرة عوامل تدخل في عملية صنع القرار تتصل بالثقة.
أولاً: بعض الناس مخاطرون بطبعهم، وبعضهم الآخر حذرون بالفطرة. ومدى ما يسمح به الأشخاص من مخاطرة له أكبر الأثر في رغبتهم في إيلاء الثقة بصرف النظر عمن سيستولي على هذه الثقة.
ثانياً: فقد أظهر علماء النفس أن الأفراد يختلفون بصورة كبيرة بالنسبة إلى مدى نجاحهم في التكيف، ومثل ((مدى تحمل المخاطر))، يؤثر هذا الجانب من الشخصية في مقدار الوقت الذي يحتاجه الناس لبناء الثقة ، فالناس الذين يتمتعون بدرجة جيدة من التكيف يشعرون بالارتياح من سلوكياتهم وينظرون إلى العالم على أنه على وجه العموم مكان لطيف. وغالباً ما تدفع بهم ثقتهم العالية بأنفسهم إلى الوثوق بالآخرين بسرعة لأنهم يعتقدون بأنه ما من سوء سيقع عليهم بسبب ذلك. وعلى نقيض ذلك، يميل الناس من ذوي التكيف الضعيف إلى توقع الكثيرمن التهديدات في هذا العالم ، ومن هنا فهم يحملون قلقاً متزايداً في كل موقف.
ثالثاً : القوة النسبية عامل مهم من عوامل القرار المتعلق بالثقة، فلو كان مانح الثقة في مركز السلطة فعلى الأرجح أن يمنح ثقته لأنه في وضع يستطيع معه أن يوقع العقوبة على الشخص الذي يخون ثقته، أما إذا كان مانح الثقة لا يملك من السلطة إلا قليلها فعندها سيكون في مركز أضعف ، ولن يشعر بالارتياح وهو يمنح ثقته لشخص معين.
رابعا هناك قاعدة تقول: ((كلما زاد احتمال المخاطر قل احتمال منح الثقة لدى الأفراد)). إننا نعاني في هذه الأيام من أزمة ثقة ، ويعود ذلك جزئياً إلى أنه ما من أحد – في واقع الأمر – يشعر بالأمن الوظيفي ، بينما في الجيل الذي قبلنا مباشرة كان معظم الناس يركنون إلى أنهم باقون في العمل مع مؤسسة واحدة طيلة حياتهم الوظيفية.
خامساً: إننا في أعماق أنفسنا لا نزال ننتمي إلى القبيلة، وهذا هو الدافع وراء ميل الناس إلى أن يمنحوا ثقتهم بسهولة أكبر إلى من يشابهونهم من الأفراد. وقد تتضمن أوجه التشابه قيماً عامة (مثل أخلاقيات العمل القوية).
سادساً: قبل أن يضع المرء ثقته في شخص آخر يفكر ملياً في هذا السؤال: ((ما مدى احتمال أن يخدم هذا الشخص مصالحي؟))، وعندما يكون هناك اتفاق تام بين مصالح الأشخاص لابد أن تكون الثقة نتاجاً لهذا التوازن. لكن الواقع يقول إن للناس مصالح عامة ومصالح خاصة أيضاً ، والقائد الناجح هو الذي يحول عوامل النجاح الجوهرية في شركته إلى مصالح عامة.
سابعاً: إن ما جعل من ((الثقة)) قضية للمناقشة ليس أن الناس أشرار، بل لأنهم في الغالب مهتمون بذاتهم. إن المدير الذي يظهر اهتماماً نبيلاً ، ويبين لموظفيه أنه مستعد للمخاطرة بنفسه من أجلهم ، لا يولد الثقة فقط ، بل وكذلك الولاء والالتزام.
ثامناً: إن النواحي المتشابهة والمصالح المتوازنة والاهتمامات النبيلة لا تعني إلا القليل إن كان طالب الثقة عديم الكفاءة. ويقيم المديرون – بصورة روتينية – المقدرة عندما يقررون منح الثقة أوتفويض الصلاحية إلى من يعمل لديهم.
تاسعاً: عند نقطة معينة في صنع القرار الخاص بالثقة يسأل مانح الثقة نفسه: ((ما مدى تأكدي من الكيفية التي سيتصرف بها طالب الثقة؟))، وينظر عادة إلى طالب الثقة الذي يمكن التنبؤ بسلوكه بصورة يعول عليها على أنه أكثر جدارة بالثقة.
عاشراً: بما أن الثقة مفهوم ذو صلة بالعلاقات فإن التواصل هنا مهم للغاية. وليس من الغرابة بمكان أن التواصل الصريح والأمين يساعد على تعزيز قرار منح الثقة ، وكثير من المؤسسات يتراجع نشاطها بسبب عامل التواصل هذا ، حيث إن سوء التواصل يشعر الموظفين بأنهم خُدعوا ، وهذا يؤدي إلى مزيد من انعدام التواصل ، وفي النهاية إلى انعدام الثقة.
ختاماً أقول: ما إن يفهم المديرون هذه العوامل العشرة فبإمكانهم أن يبدأوا في تطبيق الثقة في علاقاتهم الخاصة وضمن مؤسساتهم.