يحكى أنه في عام 1908 واجه فريق شيكاجو كابس فريق نيويورك جاينتس في المباراة الحاسمة لبطولة الدوري الوطني للبيسبول، وأثناء اللعب المثير في نهاية الشوط التاسع، فشل لاعب فريق جاينتس الذي يقف عند القاعدة الأولى - وهو لاعب شاب جيد - دون قصد في ملامسة القاعدة الثانية، مما دفع فريق جاينتس للاعتراض، وأعيدت هذه اللعبة. وانتهى الأمر إلى فوز فريق كابس باللقب بعد مباراة فاصلة.
كان ذلك اللاعب الشاب يدعى فريد ميركل، إلا أنه منذ تلك اللحظة وحتى وفاته، أطلق عليه اسم جديد وهو ميركل الأحمق. وعلى الرغم من جسارته وجهوده النبيلة بعد هذه المباراة، لم يسقط عن نفسه ذلك اللقب أبداً.
اليوم بات الكل تقريباً يعرف سيجموند فرويد، والزلات الفرويدية، والرموز الجنسية. وأي شخص متعلم ينكر معرفته بفرويد لا بد وأنه يكتم أنه يعرفه.
توماس روبرت مالتوس، لم يلعب البيسبول ولم ير محللاً نفسياً قط، إلا أن اسمه أصبح ذائع الصيت كاسم فرويد، ولحق به خزي غير مستحق، كخزي ميركل الأحمق؛ فقد ألف بايرون - الذي ربما كان في حاجة لمحلل نفسي أكثر من مالتوس - شعراً يتحدث عنه، ويغني فيه الأطفال قوافي تسخر من مالتوس. وبعد عقود من وفاته، هاجمه ماركس بشراسة. وبعد قرن من وفاته، مجد كينز مالتوس وتنبأ بأننا في ذكراه المئوية الثانية ((سنحيي ذكراه بتقدير غير منقوص)). ولكن تقدير غير منقوص مقارنة بماذا؟
إذن، أي جريمة خسيسة ارتكب مالتوس ودفعت حتى شعراء الرومانسية من أمثال كولريدج الى الرثاء قائلا: ((انظر إلى تلك الأمة العظيمة، إن حكامها وحكماءها يستمعون إلى مالتوس، فيا له من أمر محزن! حقاً محزن!)).
في عام 1798، بدد مالتوس الأحلام الرومانسية للأشخاص الذين كانوا ينظرون إلى القرن التاسع عشر بثقة خيالية، وقد حاكمته الصحف واتهمته بالتنبؤ بأن الزيادة السكانية سينتج عنها مستقبل ليس مليئاً بالسعادة ولكن بانفجار المجتمع وانحلاله. وفي عشية أول أيام القرن الجديد، كان مالتوس على حد قول توم جورمان هو ((هادم اللذات))، أو على الأقل كانت نظريته كذلك.
لقد جمع مالتوس حوله آلاف الأتباع، الذين انطلق الكثير منهم في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، مدافعين عن أهمية نبوءات أستاذهم في العصر الحديث. ولكن وباختصاردعونا نقيم تنبؤات مالتوس من منظورنا الحالي.
الحقيقة الواضحة هي أن هذه النبوءات كانت خاطئة. فتعداد السكان لم يستمر في التزايد بمعدل هندسي، ولم تتزايد الموارد الغذائية بمعدلات شديدة البطء.
ربما اصابت المآسي الفقراء ولكن لأسباب مختلفة عن التي ذكرها مالتوس. وعلى العكس مما قال، في بريطانيا وكامل القارة الأوروبية، حيث ركز مالتوس انتباهه، أكل الناس طعاماً أفضل، وعاشوا عمراً أطول، وأظهروا ((انضباطا)) أكبر مما توقع مالتوس.
إن أهم درس أخلاقي مستفاد من أخطاء مالتوس هو: لا تقفز أبداً للاستنتاجات بناءً على بيانات قديمة دون كتابة إخلاء مسئولية بحروف كبيرة وبارزة، ووضع خط تحته، والتحلي بالتواضع اللازم.
لو أن إسخيلوس - الكاتب المسرحي اليوناني القديم - كان حياً، لكتب مأساة عن باحث نبيل أصابته لعنة بسبب استنتاجه الذي اتسم بالتعالي.
حتى وفاته عام 1834، ظل مالتوس مضطراً لإنكار أنه عدو للجنس البشري. ولا يزال المحاضرون والمؤلفون يصفونه بأنه شخص كئيب في أخف الأوصاف حدة، أو بأنه شخص مخيف في أشد الأوصاف وطأة.
ومع ذلك، كان مالتوس ربما بحماقة كان يؤمن بأن منتقديه يرتدون أقنعة مرحة تشوش رؤيتهم وتمنعهم من تبين أن الضوء الذي يرونه في نهاية النفق ما هو إلا قطار يسرع في اتجاههم.