الحج هو عبادة وجدانية، وقولية وفعلية، وبدنية ومالية ؛ فيه فوائد عظيمة، ومقاصد جليلة، وله جاذبية كبيرة لدى كل الأفئدة المؤمنة؛ التي تهيم لرحابه، وتشتاق لأجوائه، وتبتهج بأعماله.
ففي موسمه البهيج؛ تجتمع النفوس على طاعة الله تعالى، والامتثال لأمره، والقيام بعبادته؛ من منطلق عقدي سليم، ووفق منهج وسطي صحيح، فلا جفاء ولا غلو ، ولا إفراط ولا تفريط، كما تجد في هذه الفريضة تذكر وتذكير بيوم الحشر والقيامة، وتدبر وتدبير بأن هذه الدنيا فانية زائلة، وأن الأعمار مهما طالت فهي قصيرة.
كما أن للحج فوائده الاجتماعية العديدة ؛ من تعارف وتآلف، ولقاءات واجتماعات، ومساواة وانسجام؛ بين الأغنياء والفقراء، والرؤساء والمرؤوسين.
أما منافعه الدنيوية فهي كثيرة لا تخفى على أحد؛ من بيع وشراء، وتجارة واستثمار، لكن أعظم مغنم، وأكبر مكسب يناله الحاج هو بشارة الحبيب عليه الصلاة والسلام: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
ومما تتميز به أيام الحج الجميلة؛ ما نشاهده فيها من صنائع راقية، وأفعال رائعة؛ حيث تشاهد الْقَانت الْخَاشع ، والرَّاكع السَّاجد، والداعي المبتهل ، والباذل المعطي، والكريم المتصدِّق.
كما ترى حرص الحجاج ومداومتهم؛ على قراءة القرآن الكريم، وعلى الذكر والدعاء، وعلى الاهتمام بصلاة الضحى، وقيام الليل، كذلك تشاهد الكثير من النماذج المتميزة في السمو الروحاني، والعلو الأخلاقي.
وعلى الرغم من قيمة الزمان، وشرف المكان؛ لكن بعضاً من الحجاج (هداهم الله تعالى ) يرتكبون مخالفات شرعية ؛ إما عن جهل منهم ، أو بسبب نسيان يقع فيهم ؛ كأن يتمسَّح أحدهم بأستار الكعبة، ومقام إبراهيم، وحجر إسماعيل، أو أن يلتزم بالتلبية الجماعية، أو بأدعية خاصة لم يثبت منها شيء، أو أن تتبرج النساء، ويبدين زينتهن ، أو أن تحدث تصرفات مضرة ومؤذية ؛ كرمي المخلفات في الطرقات، أو المزاحمة والمضايقة، أو رفع الصوت بالذكر، أو بالأبواق المزعجة.
وهنا لابد من تسجيل الشكر العميق، وتقديم الثناء البليغ؛ لكل الجهات التي شاركت في الحج بأعمالها الجبارة، وجهودها الممتازة ، ونحيي كل عامل أخلص في خدمة الحجاج، وساهم في إنجاح تنظيمات الحج وترتيباته، وفي اكتمال أمنه وسلامته ، فلهم أجرهم، ومن الله تعالى ثوابهم .
راجياً ألا يكون هدف الحاج ومن يخدمه؛ هو السمعة والرياء، أو التكسُّب والمال، بل المبتغى رضا الرحمن، وكسب الحسنات ، والرفعة في الدرجات، متمنياً وضع كاميرات مراقبة في كل شارع، وفي كل زاوية من المشاعر المقدسة، والتي سوف تسهم (بتوفيق الله تعالى ) في كشف كل صاحب كيد، أو نية خبيثة، يريد السوء للحجاج، أو الشر في البلد الحرام.
د.عبدالله سافر الغامدي
ـ جدة