تستخدم كلمة الخجل في الأحاديث اليومية المعتادة للإشارة إلى الشعور بالضيق والانزعاج وعدم الراحة في المواقف الاجتماعية. وليس لكلمة الخجل معنى دقيق محدد، فهي تتضمن معاني الحذر والاحتراس والجبن والكف عن السلوك. ويصف أحد الرجال ما ينتابه من خجل حال وجوده مع جماعة من الأفراد المعروفين جميعاً له ، فيقول :
((أشعر بأنني لست على ما يرام، وأعتقد أنني من الضآلة والتفاهة بحيث لا أستطيع أن أقول أي شيء يمكن أن يلقى أدنى اهتمام من هؤلاء الآخرين، وأشعر بالعجز والارتباك كأنني غريب عن هذا المكان حتى لو كنا جميعاً معاً. وإذا سألني أحدهم عن أي شيء أشعر بالقلق والتوتر الشديد، ولا أعرف كيف أو بماذا أرد، ويصاحب ذلك شعور بالسخونة تسري في جسدي ويحمر وجهي. لقد حاولت ألا أكون كذلك، وأن أفعل أي شيء آخر غير هذا الذي يحدث لي، ولكنني لم أستطع سوى الهروب والابتعاد عن الجماعة. وهذا الارتباك والخجل لا يحدث لي أبداً عندما أكون مع أي فرد من تلك الجماعة على حدة، بل فقط عندما أكون مع الجماعة)).
إن إحدى الخصائص الشائعة للخجل هي شعور الفرد بأنه لا يجد ما يقوله. ومصدر صمت ذلك الرجل هو انشغاله الشديد بأثر ما سوف يقوله ووقعه على الآخرين، وبرأيهم الذي سوف يكونونه عنه في ضوء ما سيقوله. وهو – كما يصف حالته – يتوقع مسبقاً أنهم سيتخذون حياله رأياً وموقفاً سلبياً، لأنه – ببساطة – ليس لديه ما يقوله، بحيث يثير قدراً ولو بسيطاً من اهتمامهم. ويؤدي هذا الانشغال الشديد إلى درجة عالية من الشعور بالذات، والرغبة الشديدة في الهروب من هذا الموقف. ويشير كذلك هذا الرجل إلى أنه لا يشعر بالخجل في كل المواقف، فهو لا يخجل عندما يتحدث مع فرد واحد، بل ينتابه الخجل فقط وسط الجماعة.
إن الخجل ليس حكراً على حياتنا المعاصرة، بل يوجد في كل العصور وفي كل المجتمعات.
وعلى الرغم من أن دراسة الخجل في إطار العلاقات الاجتماعية الحميمة يمكن أن تساعدنا على معرفة كثير من أسباب الخجل، فإن الدراسات التي اهتمت بذلك قليلة.
ولذا كان الخجل موضوعا جديرا بالدراسة لأهميته النظرية والعملية. فدراسته تمدنا بكثير من الاستبصارات عن العمليات المتضمنة في التفاعل الاجتماعي بين الأفراد باختلاف طبيعته ومداه. فعندما يكون هذا التفاعل سلساً طبيعياً، فإن العمليات المتضمنة فيه، التي تجعله كذلك، عادة ما تكون خفية، ونادراً ما يلتفت إليها الباحثون. أما عندما يكون هناك ما يعوق التفاعل الاجتماعي أو يؤدي إلى ضعفه وتدهوره – مثلما يفعل الخجل – فإن الأمر يستحق الدراسة والبحث للوصول إلى علاج هذه المشكلة وتحسين مستوى التفاعل. وواقع الأمر أن التفاعل الاجتماعي الذي يبدو لنا سلساً وطبيعياً، إنما هو في حقيقة الأمر نتاج لما يمتلكه أطراف هذا التفاعل من مهارات سلوكية، حتى لو كان الأفراد المتفاعلون غير مدركين لذلك، ويستخدمون مهاراتهم تلك بطريقة لا شعورية. والخجل ظاهرة تتحدد بدرجة كبيرة على أساس اعتقاد الفرد في مهاراته، وقدرته على التفاعل الاجتماعي بكفاءة. ولاشك في أن دراسة تلك المعتقدات سوف تعرفنا الخصائص والقدرات التي يجب أن يتحلى بها الفرد لكي يشعر بالثقة والاسترخاء والراحة في المواقف الاجتماعية.
وهناك سبب آخر لأهمية دراسة الخجل هو ما يسببه من مشكلات لعدد كبير من الناس، باعتباره آفة تؤرق حياتهم، ومصدراً دائماً للشعور بالبؤس والتعاسة وعدم الراحة والاستقرار. ويعتبر البعض الخجل شكلاُ من أشكال المرض، إلا أنه مرض لا يدركه المتعاملون مع الشخص الخجول ولا يعترفون به. ولهذا ربما نتصور أن الخجل كان في بؤرة اهتمام الدراسات النفسية منذ مدة طويلة، غير أن ذلك ليس صحيحاً، فالاهتمام بالخجل اهتمام حديث نسبياً مقارنة بغيره من الظواهر النفسية الأخرى. ولعل ذلك يرجع إلى عدة أسباب أهمها أن جوانب الخجل كانت بالفعل محل اهتمام علماء النفس منذ مدة طويلة، ولكن تحت مسميات وموضوعات أخرى مختلفة مثل الحساسية من التحدث أمام جماعة، والخوف من التواصل الاجتماعي، والقابلية للارتباك، واضطراب توكيد الذات، والصمت وقلة الكلام، والوعي بالذات، والقلق الاجتماعي، والعصاب الاجتماعي، والرهاب الاجتماعي، واضطراب المهارة الاجتماعية، والرعب من الجمهور. فوجود هذه المفاهيم واهتمام الباحثين بها جعلهم لا يهتمون – إلا أخيراً – بدراسة الخجل كمفهوم محدد قائم بذاته.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com
- خادم الحرمين يوافق على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة
- إحباط 3 محاولات لتهريب أكثر من 645 ألف حبة محظورة وكمية من «الشبو»
- فرع وزارة الصحة بحفرالباطن يحتفي بأسبوع الجودة العالمي
- الزميل سعيد الحريري يحتفل بزواجه وسط لفيف من الأقارب والأصدقاء
- “جوازات وأحوال مدنية ورخص سير”.. 6 ملايين عملية إلكترونية عبر “أبشر” في أكتوبر
- «الموارد البشرية» توضح موقف العامل الوافد حال انتهاء العلاقة العمالية
- توقف.. انظر.. اعبر.. نصائح مرورية للطلاب والطالبات عند العبور ومع انتظار الحافلة
- اغتيال مسؤول الإعلام في حزب الله ..إسرائيل تهجّر سكان 15 بلدة جنوب لبنان
- «حساب المواطن» يحذر: إيقاف الدعم واسترداد المبالغ للمتحايلين
- بلدية البطين تستكمل أعمالها في تطوير الطرق بمركز الطرفية الشرقية
- “إيجار” توضح فترات السماح للمستأجرين قبل تقديم طلب تنفيذ مالي
- لضمان الشفافية وسهولة السداد.. “حماية المستهلك”: على مقدمي الخدمات توفير فواتير شهرية واضحة ومفصلة
- “الضمان الاجتماعي”: “دعم الحقيبة المدرسية” يُصرَف تلقائياً بداية كل فصل دراسي جديد
- حقيقة “علاقة المشي على السيراميك حافي القدمين والجلطات” يكشفها “النمر”
- الجناة في قبضة “رجال الأمن”.. 5 مقيمين ومواطن وخليجي متورطون في قضايا مختلفة
المقالات > الخجل والتفاعل الاجتماعي ؟؟
الخجل والتفاعل الاجتماعي ؟؟
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/2960834/