يُغبط الأشخاص الذين يجيدون التماس بغيرهم والتعامل وإياهم ، ومما لا شك فيه, أن هذا من عوامل النجاح. فهل يُعرف إلى ما تعود هذه الموهبة الاجتماعية, وهذه القابلية لأن يكون المرء (( كالسمكة في الماء )) في كل محفل, ويقوم بتصرفات مدهشة وقوية التأثير أحياناً؟ والحق يقال, إن ذلك يعود إلى مجموعة تفاصيل صغيرة ترمي الذاكرة القوية إلى جعلها أموراً حاسمة.
يأتي تذكر الأسماء والوجوه في المقام الأول, فالناس يحبون أن يكونوا معروفين, حتى إن هذا هو أول ما تفتتح به محادثة, فلم تجر العادة كثيراً على تبادل بطاقات الزيارة للتعارف. والأسوأ أن الناس يتصافحون بكل طيبة خاطر من غير أن يذكروا أسماءهم, أو يذكروا من يلتقون بها, وهذا التعريف هو, في الواقع, تنبيه للمتحدث الساهي الذي سبق أن التقى به في مرة ماضية.
وهكذا تمر الذاكرة الترابطية ( العلائقية ) بمراجعة متلكئة متأنية لمفكرتها الحاذقة, والمسألة هي إعادة تذكر الأسماء والوجوه, والوظائف والمسؤوليات.
وتذكر أسماء الأسر والوجوه هو أكثر من مهارة, فهو عامل يسهل الاتصال بالناس, ويحمل على التقدير الذي نبديه لمن نعايشهم, ويمهد لتوثيق بعض العرى سواء منها المهنية أو العاطفية.
وتأتي ذاكرة ( تذكر ) الظروف في المقام الثاني. وهي من أكثر الوسائل فعالية في (( الاتصال )) بالشخص المراد محادثته, لمد جسر نحوه والدخول في بداية الطريق إليه. ونريد بذاكرة الظروف, المقدرة على تذكر مكان اللقاء السابق وزمانه ومناسبته بصورة حية. فطالما كانت استعادة صورة أو مشهد من حياة أحد الأشخاص مصدراً لارتياح وسرور مشترك بيننا وبينه.
إن الذاكرة الترابطية, أخيراً, هي أيضاً فن الأخبار والطرف. فالذاكرة القوية التي تحفظ الأحداث والتفاصيل والقصص والكلمات المعبرة هي المفتاح العام للمناقشات التي تدور في قاعات الاستقبال, وفي اللقاء حول مائدة الطعام والشراب, بل أيضاً المقابلات التي تواجه بعض الصعوبات في البداية.
والعثور على ما يمكن قوله, وبالأحرى ما يسبب الضحك, يندرج في باب المهارات الاجتماعية.
حذار, مع ذلك, مما يبدر عن اللاشعور, أي عن الانعكاسات والتأويلات المتراكبة لدى انطباعها في الذهن, التي قد تفسد أحد الأحاديث بحثاً عن الحقيقة.
وللذاكرة أحياناً بعض الطفرات التي لا يمكن التحكم بها والقادرة على إفساد الحديث.
وعندما يكون الضغط الانفعالي قوياً, فهذا الخطر يكمن لمن يتحدث ويتربص به. والأمر نفسه أيضاً يحدث في أثناء طرح إحدى القضايا, وفي المقابلات وجهاً لوجه على شاشة التلفزيون التي فيها مجازفة قوية أو المقابلات التي تحدث لانتقاء عاملين لتشغيلهم.
والذاكرة التي تفتح كل شيء شرط للموهبة الترابطية بالتأكيد, غير أنها تصبح في بعض الحالات مصدراً للفخاخ والمكائد للإيقاع بشخص معين.
الخلاصة: إن قليلاً من النظام لا يضير. ولا يستحسن قول كل ما يخطر في البال.
وعلى العكس, إن العفوية, وهي ضمانة الموهبة الترابطية, هي في الأغلب, أكثر مما يعتقد, نتيجة عمل غامض للذاكرة القادرة على أن تقدم في اللحظة المناسبة رداً سريعاً محكماً.
[COLOR=#ff0020]أ . د / زيد بن محمد الرماني [/COLOR]
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com