اعتقد أن القدوم إلى هذه البلاد الكريمة؛ من الآمال العظيمة ، والطموحات الكبيرة، التي تراود كل مسلم خاصة، ذلك لأنها شرفت على كل بلدان العالم بالحرمين الشريفين، كما تميزت بالأمن والطمأنينة ، والسكون والاستقرار، والعيش الوسيع، والرغد الكريم.
وتحتل المملكة العربية السعودية المركز الرابع دولياً؛ من حيث استضافة العمالة الوافدة, وذلك بناءً على تقرير صدر عن الأمم المتحدة في عام 2013م, حيث بلغت أعداد العمالة تسعة مليون ومائة ألف تقريباً، وهي إحصائية لا تتضمن العمالة المخالفة؛ التي لا تحمل إقامة رسمية.
وللعمالة الوافدة أهمية كبيرة في خدمة المجتمع ، وفي تسديد احتياجاته، وتلبية متطلباته، لكنها لا تخلو من مساوئ ومخالفات، وجرائم وانحرافات ، ولذلك نحن بحاجة إلى معرفة بعض خصائصها، والتعرف على شيء من سماتها ، حتى نجيد التعامل معها، والاستفادة المثلى من قدراتها وخبراتها.
ويختلف أفراد هذه العمالة في الخصائص الشخصية، والقدرات العقلية، والسمات النفسية، والأحوال الاجتماعية، والدرجات التعليمية، كما يختلفون في القدرات المهنية، والمستويات المهارية، والمسالك العملية، وكل حسب مجتمعه التي عاش فيه، ففي كل بلد تربية أسرية، وأنظمة وعادات، وتعليم رسمي، ووسائل إعلامية ، ولذلك فهم يتفاوتون ، حتى إن القادم من دولة ذات طبيعة جبلية يختلف في سلوكه وخصائصه عن القادم من بلاد ساحلية، أو صحراوية، أو منبسطة.
ومما هو معلوم أن الهدف الأول والأخير لكل عامل وافد هو طلب الرزق الحلال، والحصول على أكبر قدر ممكن من المال ، لكن الذي ليس لديه ذمة ولا أمانة ؛ فلن يهتم بمصدر الدخل؛ حيث سيحرص على تجميع الفلوس بأي طريقة ممكنة، ومع كل فرصة سانحة، وإن كان مصدرها صنيع مذموم، وتصرف مرفوض!
إن العامل الوافد يعيش الغربة ومعاناتها ، ويتجرع الاغتراب وآلامه، ولذلك فهو يعاني من البعد عن أسرته، والابتعاد عن مجتمعه، وهذا يستغرق حيزاً كبيراً من تفكيره، ويسيطر عليه بسبب ذلك هواجس القلق ، وألم الفراق، ولهفة الاشتياق، وقد يصاحب ذلك مشكلات واضطرابات نفسية؛ كالاكتئاب، والانطوائية، والشعور بالعزلة والوحدة.
وقد تتضخم مشاعره السلبية ، وآلامه النفسية؛ إلى ارتكاب مخالفات، وانتهاك محرمات؛ كالكذب والخداع، والغش والتزوير، والسرقة والتعدي؛ وإن توفرت له أغلب الاحتياجات، وتيسرت له بعض التطلعات، ولهذا يجب على المتواصلين معه الحذر والانتباه، وأخذ الحيطة والاحتراس.
كما ينبغي للمتواصلين مع العمال؛ أن يكون هناك إحسان وسمو أخلاق؛ حتى تلين طباعهم، ويندمجون مع غيرهم، على أن تسلم لهم حقوقهم المالية؛ ما داموا صادقين أمناء، أوفياء للوعود والعقود، يؤدون ما عليهم من حقوق، ويقومون بما عليهم من واجبات.
كذلك يرجى من الجهات المختصة أن تصل إلى العمالة المختبئة ؛ التي تدفع أتاوة معينة لكفلائها؛ إذ من السهولة ضبط تحويلاتهم، وبما يتفق مع دخلهم، وأن تعتمد المنع باستقدام العمالة ؛ التي فيها نسبة عالية من الجنوح والانحراف، واللوثة والاضطراب.
والأمل يحدونا كذلك إلى أن يكون هناك متابعة لصيقة بمناشط العمالة وسلوكهم، ففيهم من هو بحاجة إلى تصحيح للعقيدة، وتعلم للأمور الشرعية، وفيهم من هو بحاجة إلى برمجة للأخلاق، وتعديل للسلوك، ولعل مشروع العناية بالجاليات من المشاريع الدعوية الرائدة والناجحة، والذي ندعو الله تعالى له أن يستمر وينتشر ، وأن يكبر ويتطور.
[COLOR=#ff0600]
د.عبدالله سافر الغامدي [/COLOR]
ـ جدة