لقد حرِصت الدول المتقدمة على رفع مستوى التعليم من خلال الإعلاء من شأن المعلم, لأن دور المعلم في التربية الحديثة لم يعد مقتصراً على نقل التراث التاريخي والثقافي للأفراد, بل يتضمن أيضاً بناء الأفراد وإصلاح المجتمع.
ولكي يكون المعلم في المستوى المأمول منه من تربية وتعليم الطلاب كما يجب, فلابد أن يتمتع المعلم بسماتٍ تدفعه نحو الرقي إلى هذا المستوى, سواءً كانت هذه السمات: دينية أو خلقية أو اجتماعية أو مالية.
فعلى سبيل المثال: عندما سئل رئيس الوزراء الياباني, ماذا عملت اليابان ليتم تصنيفها من ضمن الدول المتقدمة؟ فقال: أعطينا المعلم راتب وزير, وحصانة دبلوماسي.
فالمعلم سابقاً كان يحظى بمكانة اجتماعية عالية في المجتمع السعودي مما جعله مربياً ومعلماً في الوقت نفسه, فالأسرة تتعاون مع المعلم, ووسائل الإعلام تساند المعلم, والمساجد تؤكد على وجوب احترام المعلم والاستفادة من علمه, والنوادي تتواصل مع المعلم لاكتشاف مواهب الطلاب واستثمارها.
إلا أن المعلم في الوقت الحالي فقد جزءاً من هيبته ومكانته الاجتماعية ليس لسبب واحد فقط بل لِعِدَّةِ أسباب (سأذكرها لاحقاً), مما جعل بعض المعلمين يتضجرون من الوضع الراهن ويحاولون البحث عن مهنة بديلة (لتدريس الطلاب), فاتجه البعض لإكمال دراساتهم العليا من أجل البحث عن وظائف تناسب طموحاتهم خارج سلك وزارة التربية والتعليم, والبعض الآخر التحق بدورات تدريبية لتحويل مساره من معلم صف إلى (مرشد طلابي أو أمين مصادر تعلم أو وكيل أو مدير).
مع العلم بأنه قد تحدث بعض المهتمين في شؤون التربية والتعليم قبل عِدَّةِ سنوات عن مشكلة النظرة المتدنية لمهنة المعلم إما في (مقالات أو دراسات), إلا أنه ما زالت مهنة المعلم تعاني من النظرة المتدنية حتى هذه اللحظة, وستستمر ما لم يغير أفراد المجتمع نظرتهم إليها, ويقدرون عظمتها وأهميتها داخل المجتمع.
والذي يتضح لي بأنه من أسباب النظرة المتدنية لمهنة المعلم ما يلي:
أولاً/ أصبحت بعض القرارات الجديدة تصب في مصلحة الطالب, مما جعل المعلم يحذر من تعدي حدود هذه القرارات, فأصبح معظم المعلمين يركزون على الجانب التعليمي للطالب أكثر من تركيزهم على الجانب التربوي.
ثانياً/ تركيز بعض وسائل الإعلام على سلبيات بعض المعلمين لنشرها بين عامة الناس, وفي المقابل عدم إظهار الجانب المشرق من البرامج والأنشطة عند بعض المعلمين المتميزين.
ثالثاً/ ضعف العلاقة بين الأسرة والمدرسة, واقتصارها على الحضور مرة واحدة في كل فصل دراسي أثناء مجلس الآباء (مع العلم بأنه لا يحضر جميع أولياء أمور الطلاب في مجلس الآباء!!).
رابعاً/ عدم قيام بعض الأُسر بتوعية أبنائها الطلاب عن مدى أهمية احترام وتقدير المعلم ومحاولة الاستفادة من علمه, بدلاً من التشكي من المعلم والتذمر من المدرسة.
خامساً/ ضعف المستوى الدراسي عند بعض الطلاب, إما لعدم وعيهم بأهمية طلب العلم, أو لعدم متابعة أهاليهم لهم, أو لكثرة استخدامهم للتقنية وانغماسهم في سلبياتها, مما جعل بعض الأشخاص يعيبون في المعلمين والعيب ليس بهم.
سادساً/ ضعف ثقة بعض المعلمين بأنفسهم مما سمح لغيرهم بأن يتجرأ على التقليل من شأنهم في المجتمع.
سابعاً/ ضعف مستوى بعض المعلمين من الناحية (التخصصية والتربوية والثقافية).
ثامناً/ ممارسة بعض المعلمين من غير المؤهلين تربوياً لمهنة التعليم.
تاسعاً/ ضعف راتب المعلم, وعدم وجود بدل سكن وبدل تأمين طبي (بالمقارنة مع غيره من الموظفين الحكوميين والقطاعات الخاصة).
عاشراً/ التكبير من حجم ردة فعل المعلم تجاه بعض المواقف مع طلابه, ولك أن تتخيل أباً يجلس مع ثلاثةً من أطفاله في البيت لمدة نصف ساعة فقط, كيف سيكون ردة فعل الأب لتصرفات أطفاله؟؟ وقارنها بمعلم يجلس مع 35 طالب في الفصل لمدة 45 دقيقة للحصة الواحدة, كيف ستكون ردة فعل المعلم لتصرفات طلابه؟؟.
وأخيراً .. إننا بحاجةٍ إلى إعادة النظر في وجوب تعزيز مهنة المعلم على الوجه اللائق بها كمهنة مشرفة, فهي مهنة معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم.
فالحل لا يقع تحت مظلة مؤسسة واحدة فحسب, بل يعتمد على تكاتف جميع مؤسسات المجتمع من: (المدرسة, والأسرة, والمسجد, والنادي, ووسائل الإعلام ..الخ) للرفع من شأن المعلم ومنحه المكانة التي يستحقها فعلاً.
خاتمة .. الشجرة المثمرة تُرمى بالحجارة, والشجرة العقيمة تَبقى سليمة.
الكاتب/ مساعد بن سعيد آل بخات
Mosaedsaeed@hotmail.com
@Mosaedalbakhat