عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل مررت بنا فوجدتنا نائمين ، مرت يديك الطاهرة بجبين كل واحد منا ، وقبلت كل أطفالنا ، وحييت أمهات شابات لم ينمن كن يضعن صغارهن في حجورهن ، ووضعت ابتسامتك على باب كل منا ، وقلت ادعوا لي هكذا فعلت في تلك الليلة الموجعة .
هناك رحيل ، وأيضا هناك حضور يبعد الغياب المرير ، ويخبرنا أن الحكام الذين منحوا شعوبهم الحب ، لن يرحلوا ، سيبقون في قلوبهم ، وستحبهم أوطانهم .
اقترب الصباح ، ولكن الشمس لم تأتِ ، والصغار لم يتقافزوا كعادتهم ، والعصافير لم تغنِ لحنها .
خرجت بذهول إلى الشوارع ، رأيت دموعها تمر بأرصفتها ، وسمعت صوت نشيج النخيل ، وبكاء سبح شيوخ القرى الصغيرة ، ونحيب النساء .تلك اللحظات وتدفق ضوء عام 2011 ، والذي يمثل تاريخ لنا نحن نساء المملكة ، ينابيع الطموح والهمة والعطاء ، فقررت أن لا نبقى في دائرة التهميش ، ومنحتنا وثيقة اعتراف بأهمية دورنا في بناء الوطن ، وصدرت الوثيقة يوم 25 سبتمبر 2011 ، عبر بوابة المجالس البلدية ليتبعها حضور ثلاثون سيدة في مجلس الشورى ، ولأول مرة في تاريخنا الحديث ، هل قلت الحديث !، نعم فأنت مؤسس دولتنا الحديثة الفتية التي تتطلع للحياة .
ولازلت أتجول في الطرقات ، ودموعي تتساقط ، وحضرت ندى ، ندى التي ظلمها ذكر ، وتركها منكسرة ، ندى المتفوقة ، ابنة الجبل .دخلت ندى برنامج الإبتعاث ، برنامجك الحضاري ، ندى صديقتي ،لم تعد صديقتي البائسة المنكسرة أيها العظيم ، أصبحت شخصية مختلفة ، أصبحت تفكر بطريقة علمية ، وقتها هناك في الولايات المتحدة في معامل طبية ، وحققت تميزاً واضحاً ، يأتيني صوتها من ولاية السكر ، ممتلئ بالحياة ، حتى أبيها الذي كان يحتقر النساء ، بدا يجاهد لنصرتهن ، أعتقد أن هذا ثمرة فكرك التنموي ، فرؤيتك التجديدية في عصر العولمة المتسارع ليست في أن يبتعث المبتعث للدراسة فقط ، بل ليكتسب مهارات حياتية ولتتغير نظرته إلى ذاته والكون ، وليتعلم احترام الآخر ، ويتواصل مع الأديان والثقافات الأخرى وليتغير إلى الأفضل ويفيد ذاته ومجتمعه ، ولكن ابتعاثك للفتاة السعودية يعني تنمية للأسرة السعودية ، وللمجتمع السعودي ككل .
من شارع فرعي خرجت إلي ابنة جيراننا وردة ، وهي وردة ، وردة تعرضت لظلم من أخيها فشكت مظلمتها لك ، ، وما هي إلا أيام حتى توقف الظلم بأمر منك . لا ادري من أين أتت وردة تلك اللحظات !، ولكني رأيتها ويتبعها ثلاثة صغار حفظوا ملامحك الباسمة ، وكانوا يرددون ( بابا عبدالله ).
في لحظة وجدت نفسي في الشميسي ، ورأيت خالة وزنة ، وزنة التي ترعرت في في الشميسي ، وزنة حكت لي تفاصيل حنونة ، عندما مر كتفك الطاهر بباب بيتها الصغير ، وابتهجت بك عيون المروحة الصغيرة المعلقة في الجدار ،وتدفقت العافية باوردة زوجه المسن المريض ، والذي قبلته وأمسكت بيده بحنو . قلت لهم سأبعده عنكم ، لن تكونوا محتاجين . ولاحقت دعوات وزنة وأسرتها البسيطة خطواتك ، كانت تردد وزنة ( حبيب الشعب عبدالله ) .
خرجت تبعتني حليمة ، حليمة التي أبكتني ذلك المساء ، وهي تردد بصوت شجي أغنية بايقاع جازاني لك ، لم تتعب وهي تردده ، عيناها وملامحها كانت تردد لن نضام ومليكنا عبدالله ، كانت تحبك في كل كلمة ترددها ، وحكت لنا ماحدث في الحد الجنوبي . اعلم أن حليمة الآن ستغني أغنية حزينة لك وهي تمسح دموعها بطرف شيلتها .
الطيور سمعتها ، نعم سمعتها تردد اسمك ، وأنا أمر في الطرقات ظهرت فاجعة جده ، وكشفت الأرض وجوه المفسدين ، السيول ، وبدأت حربك على الفساد ، في كل الأمكنة ، تطهير عام ، وأصبحت تتداول الصحافة كلمات بلا خوف الفساد وملاحقة المفسدين في كل مكان ، وبدا التنويريون والمخلصون يحملون المهمة معك ، مهمة الإخلاص للوطن ، والمواطن والخوف من الله في الرعيـة .
البيوت صامتة لم يخرج أحد ، وبكى كل أحد ، وعادت بي حكاية عندما تم استضافتي في مدرسة بمدينة الوادي ، وعلمت أن برنامجك لتطوير التعليم من ملامح أنشطته استضافة كتاب ومفكرين ، وهنا أنت الملك المثقف ، وتذكرت عندما رأيت طالباتي مبتهجات في مشروع تطوير التعليم ، التعليم الذي خرجت به إلى آفاق حديثة تواكب العصر . ليس ذلك فقط بل كان ميلاد جامعتك العلمية جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والتي تحتوي طموح الطلبة السعوديين من الجنسين ، ويكون افتتاحها في اليوم الوطني ، يوم وطني وانجاز حضاري حديث رسمته أنت لأنك تؤمن بقدرات شباب وشابات شعبك الوفي .
لغة جديدة ومفردات بدأ يعرفها ويرددها عامة المجتمع ، ( الحوار ، المذاهب ، الأديان ، ) وكان تأكيدك على الوحدة الوطنية ورفضك لأي تصنيف أو إقصاء لأحد ،وكلنا وطن واحد ، بسنته وشيعته ، لا تصنيفات طائفية ، ولا مناطقيه ، ولا عنصرية ، ولا فكرية ، كل ذلك نثرته عندما بدا يشيع جدل ولغط ، وخوفا من أن يلمس الوحدة الوطنية فرقه ، الوحدة الوطنية التي تمثل ازدهار الأوطان ،
لازالت الشمس غائبة ، و جزع يمس العالم ، العالم الذي حملت إليه رغبتك في أن يعم السلام الأرض ، فكان مركز حوار الأديان . هكذا الشخصيات الاستثنائية لا تكون لأوطانها بل للعالم بأكمله لأنها تنشر الخير والعدالة والسلام .
كنت أمر على المدارس والمؤسسات الثقافية وأنا أحمل التنمية الثقافية المجتمعية ، وأبدا قائلة أنا انتمي لفكر عبدالله بن عبدالعزيز ، فتصفق لك الأيادي .
أيها الملك المواطن عشر سنوات من الحب والرفق بنا ، عشر سنوات من الوعي القيادي ، من التجديد الإيجابي ، من الإصلاحات المبهجة في وطننا .
عشر سنوات وأنت تساعد الدول العربية والإسلامية ، وتقف بمصداقية ومحبة معهم .
نعم ، أنت تسمعني الآن ، بل تسمعنا جميعا ، فعلى روحك الطاهرة السلام ، يا نصير النساء ، أيها الأب ،والإنسان ، والقائد والحكيم وملك السلام ياخادم الحرمين الشريفين عـبدالله بن عبدالعزيز آل سعود .
وقفة حنو .
ياملك الحنو ،
بيوت الشميسي ،
وأطفال العود ،
لن ينسوا إن يدك الطاهرة ،
علقت على أبوابهم ،
ذات يوم ،
ابتسامة جود .
ولن تنسى ،
تلك البلدة الصغيرة ،
نشوة رقصة سيفك ،
عندما جئتها (يالحبيب )
و لفـيت لينها بالفرح .
وسنذكر نحن النساء ،
أنك فتحت لنا
سماء معالي
فعبرنا دروب تسامي
وحقول فخر ،
وسيذكر العالم ،
انك حملت زهـور السلام ،
وغــناء الــيــمــــام
في راحتيك لكل البشر .[COLOR=#FF00EE]
تركية العمري - الدمام[/COLOR]
*كاتبة مترجمة أدبية
25يناير 2015