منذ إعلان وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله واتشاح المملكة العربية السعودية بالحزن لفقدان قائد مركبها الذي كان بمثابة الوالد لشعبه، وقائداً عربيا يسعى لرأب الصدع أينما وجد، فرأينا ذلك مع الأشقاء في فلسطين، كما هو الحال بين الأشقاء في دول الخليج العربي ودولة قطر بعد أن كادت الخلافات تعصف بمجلس التعاون الخليجي برمته، ثم المبادرة للإصلاح بين الأشقاء في دولة قطر وجمهورية مصر العربية وغيرها الكثير.
وبجانب هذا ما أنجز في عهده رحمه الله من توسعة للحرمين الشريفين وتطوير لخدمة الحجيج على كافة الأصعدة والمستويات، فكان الآلاف وربما الملايين من الحجاج والمعتمرين يدعون له في كل عام بالأجر والثواب بعد زيارتهم لمكة أو المدينة وانبهارهم بتطور الخدمات فيهما عاماً بعد عام.
وقد كنا من هؤلاء عندما توجهنا في العام 2006م برفقة الوالد رحمه الله للديار المقدسة لأداء حجتنا الأولى، ولم تكن الخدمات كما نتمنى حيث قمنا بسؤال أحد المنظمين ليدلنا على الطريق الذي نتبعه فكان جوابه أنه لا يعرف، هذا بالإضافة لمشكلة المفترشين الذين كانوا يملؤون الطرقات في ذلك العام وغير ذلك.
لكن هذا الشعور تحول للعكس تماماً عندما توجهنا في العام التالي لأداء الحج عن الوالدة رحمها الله، فشاهدنا من التطور ما أثلج الصدر، حيث كان جواب سؤالنا لأحد المنظمين عن أحد الطرق أن رافقنا حتى أوصلنا إليه، ثم طلب منا أن لا ننساه من دعواتنا في هذه المرة، أضف إلى ذلك التطور الكبير في عام واحد فقط في تنظيم رمي الجمرات والافتراش وغيرها من الأمور التي دفعتنا فور عودتنا لكتابة مقال بعنوان "شكراً خادم الحرمين"، شكراً على الأمان الذي يشعر به المصلي وهو يناجي ربه وسط الملايين من الحجاج، وشكراً على الطمأنينة التي تملأ المكان والتي تدفع دموع الحجاج والمعتمرين للانهمار عند مشاهدتهم صفوف ملايين الحجاج مرصوصة بكل نظام وطمأنينة في اليوم العاشر من ذي الحجة في منظر تقشعر له الأبدان.
هذه أمثلة لما قام به خادم الحرمين رحمه الله خلال فترة حكمه وهي غيض من فيض، وبلا شك أن هذه الفترة كان فيها الخطأ والصواب كونه كان بشراً ولم يكن من الملائكة أو الأنبياء رحمه الله، وهو ما كان يؤكده بنفسه عندما طلب في إحدى جلساته عدم مناداته بملك القلوب أو ملك الانسانية لأن الملك هو الله عزوجل وكرر ذلك على الحضور أكثر من مرة.
لكن ما أوجع القلب بشدة هو ما وصلت إليه الأمة من الإنقسام والتشرذم، ليصل الحال بالبعض بسبب الإختلاف معه رحمه الله مذهبياُ أو سياسياً وبرغم يقينهم بأنه غادر هذه الدنيا وهو يشهد شهادة التوحيد ليس فقط عدم الترحم عليه، بل والإساءة له بأسوأ الألفاظ حتى بعد مغادرته لهذه الدنيا، فرأينا البعض يقاطع خطيب المسجد الأقصى لمنعه من الدعاء له بل ويحاولون الإعتداء عليه بعد الصلاة بسبب ذلك، والبعض الآخر يخصصون خطاً ساخناً في إحدى القنوات لتلقي التهاني بوفاته رحمه الله !!!
كما عمل البعض على إلصاق دماء من سقط من المسلمين في فلسطين وسوريا ومصر وغيرهما في رقبة الرجل متناسين تماماً ما قدمه من ملايين المساعدات لشعب فلسطين على مدى سنوات طوال، ولسوريا في محنتها وحرصه على استقرار مصر من خلال وجهة نظره وقناعته التي لم تعجب البعض ممن أرسلوا يعزون في رسامي مجلة شارلي ايبدو واستكثروا الدعاء بالرحمة والمغفرة للملك عبدالله بن عبدالعزيز في مقابل ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله !!
حتى أن أحباباً لقلوبنا غضبوا منا عندما قمنا بحذف تعليقاتهم التي تحمل الإساءة لخادم الحرمين رحمه الله عملاً بقوله تعالى:{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} الآية 53 من سورة الإسراء.
وليتنا نجد آية واحدة في كتاب الله العزيز تأمرنا بالدعاء على الغير حتى وإن كانوا غير مسلمين إن لم يكونوا معادين ومحاربين لنا لنجد لهؤلاء العذر، بل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض الدعاء على من أساء له ورماه بالحجارة حتى سالت دماءه الشريفة، وكل هذا ويأتي من يتناسى ذلك ويقوم بالتلفظ بأسوأ الألفاظ على من غادر هذه الدنيا ناسياً أنه سيكون في مكانه يوماً ما، ويومها سيكون في أمس الحاجة لكل دعوة طيبة تدعو له بالمغفرة والرحمة من أي كان.
عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) رواه البخاري، ولأنهم أفضوا إلى ما قدموا وسنفيض مثلهم يوماً نقول رحم الله خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز وجزاه خير الجزاء عن كل مسلم ساهم في تسهيل طاعة له فيها مرضاة الله عزوجل، وغفر له وتجاوز عنه إن كان مسيئاً، ورحم الله جميع الأموات وغفر لهم، وأعان خلفه الملك سلمان على خير البلاد والعباد، وحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها وأعاد الأمن والاستقرار إلى جميع بلاد العرب والمسلمين باذن الله تعالى.
كما نتمنى أن نكون ممن يكسبون ولو دعوة واحدة بالرحمة والمغفرة من لسان وقلب صادق طاهر بعد مغادرتنا لهذه الدنيا، فلا يوجد حق سيضيع مهما طال الزمن عند العادل المنان طالما أن الفيصل بين البشر هو قوله تعالى في سورة الغاشية:{إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم} الآيات 25-26.
[COLOR=#FE4253]بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران[/COLOR]