لي في التعليم أكثر من خمس وعشرين سنة، أشعر أحيانا ـ وأرجو أن أكون مخطئا في هذا الشعور ـ أن الأشخاص الذين يضعون أو يصدرون القرارات في وزارتنا بعيدون عن واقع وحال مدارسنا، ولا يستمعون لأصوات واقتراحات وملاحظات المعلمين الذين هم في الميدان.
عندما صدر قرار وزير التربية والتعليم بعودة الاختبارات التحريرية في المرحلة الابتدائية بعد انقطاعها لسنوات، فرح الجميع بهذا القرار، وكنت واحدا من الفرحين جدا بصدوره، لقناعتي الشديدة بفائدتها العظيمة، خاصة بعد أن لاحظنا في السنوات الأخيرة الانحدار والضعف الشديدين في المستوى التحصيلي لطلابنا وطالباتنا بسبب إلغاء الاختبارات التحريرية، وجاء بديلا عنها سيئ السمعة التقويم المستمر الذي كان السبب الرئيسي في هذا الضعف الحاصل في مدارسنا.
ولكن يبدو أن قرار عودة الاختبارات التحريرية صدر أو جاء بصورة سريعة ومستعجلة، دون النظر إلى موضوع التقويم المستمر، ومن غير أن تربط هذه الاختبارات بشكل صحيح بالتقويم وفتراته، فأصبح التقويم يسير في واد والاختبارات التحريرية تسير في واد آخر! والدليل هذه (اللخبطة) الحاصلة هذه الأيام في المدارس الابتدائية بشأن الاختبار الثالث الذي يؤديه طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية والذي بدأ يوم الأحد 13 /3/1436هـ.
إذ من المعروف للجميع ـ ولا أعلم إن كان صاحب فكرة هذه الاختبارات الثلاث يعلم ذلك أيضا أم لا ـ أن في الفصل الدراسي الواحد توجد فترتان للرصد النهائي لتقويم المهارات، الفترة الأولى بعد شهر ونصف تقريبا من بدء العام الدراسي، ثم تليها الفترة الثانية مع نهاية الفصل، وبعدها يتم توزيع النتيجة النهائية لمن أتقن جميع المهارات، وكذلك نفس الشيء في الفصل الدراسي الثاني، يشتمل على فترتين الثالثة والرابعة، هذا هو الواقع في مدارسنا، بينما الاختبارات التحريرية التي صدر القرار بشأنها، ثلاث اختبارات في كل فصل دراسي، وهنا أساس المشكلة، والسبب في هذا اللغط والربكة الحاصلة الآن التي يعيشها المعلمون والطلاب وأولياء الأمور على حد سواء، وأصبحت حديث الناس هذه الأيام وموضعا للتندر والسخرية.
ولمزيد من التوضيح أقول: إذا كان الاختبار التحريري الأول يأتي متزامنا مع رصد مهارات الفترة الأولى، والاختبار الثاني يأتي متزامنا مع رصد مهارات الفترة الثانية، إلى هنا والوضع طبيعي، بل الصحيح أن يكون الأمر كذلك، إذن السؤال: متى يؤدي الطلاب والطالبات الاختبار الثالث؟ وما الفائدة منه طالما مهارات الفترة الثانية قد رصدت ولا توجد أصلا فترة ثالثة للمهارات في الفصل حتى تتطابق وتتماشى مع الاختبار الثالث، ولم يبق في الواقع إلا توزيع النتيجة النهائية؟
هذا يعني أن الاختبار الثالث أصبح مجرد تحصيل حاصل ومضيعة للوقت، لا فائدة منه، ويؤدى من غير اقتناع من قبل المعلمين والمعلمات، وأكثر من يعاني منه ويتعب من أجله هم الآباء والأمهات الذين يأخذون الأمر باهتمام وبجدية، فيسهرون ويتعبون في تدريس أبنائهم وبناتهم، وهم لا يعلمون أن المهارات قد رصدت ورفعت الأقلام، أو (الكيبورد) حيث لا وجود للأقلام، وأن هذا الاختبار الثالث ما هو إلا مجرد تنفيذ وتطبيق لقرار وزاري فقط لن يقدم أو يؤخر.
حل هذه المشكلة سهل جدا لا يحتاج إلى دراسة ولجان واجتماعات! الحل ببساطة يكمن في تقليص أو تخفيض عدد هذه الاختبارات وجعلها اثنين فقط بدلا من ثلاثة في الفصل الدراسي الواحد، لتكون متطابقة مع فترتي المهارات، فيصبح الاختبار الأول خاصا بمهارات الفترة الأولى، والاختبار الثاني في نهاية الفصل الأول، أي في مثل هذه الأيام، يكون خاصا بمهارات الفترة الثانية، والأمر مثله في الفصل الدراسي الثاني، وبالتالي يكون قد تم ربط الاختبارات بالمهارات بشكل صحيح، وانتهت المشكلة.
[COLOR=#FF002E]عبدالله حسن ابوهاشم[/COLOR]