في مثل هذا الوقت من كل عام نترقب أجواء هطول زخات الغيث من السماء لنعيشها بكل جمالية تفاصيلها، لتمتلأ بطون الأودية بقطرات الخير المرسل من الله عزوجل، لكن المحزن في الأمر هو أن نعيش بعد مرور الموسم أزمات مائية متلاحقة تدلل في كثير من الأحيان على بعدنا عن الترشيد في إستخدام ما جعل الله منه كل شئ حي في هذه الحياة، والأمر هنا ليس منوطاً بالحكومات والمسؤولين فقط، بل ويبدأ من أنفسنا، فليس من الترشيد أبداً أن يفتح أحدنا صنبور المياه للوضوء أو غسل اليدين فقط بشكل يوحي وكأنه يريد الإغتسال في تلك اللحظة !
علينا أن نهتم بترشيد إستخدامنا للمياه وأن لا نستصغر في ذلك أمراً، فالمشاكل الكبيرة لا تبدأ عادة إلا من نقاط صغيرة لم يلتفت لها أحد في وقتها، خصوصاً وأن مشكلة الأمن المائي هي مشكلة مؤرقة لجميع الحكومات العربية وتسعى للوصول إليها جميع الحكومات العربية، ونرى طرح الأمر في جميع إجتماعات الدول العربية ومنها دول مجلس التعاون الخليجي وهي الواقعة على سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب.
الماء يعتبر من أهم العناصر الأساسية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى على هذا الكوكب لإحيائه، حيث يشكل من تكوين الكرة الأرضية ما نسبته 71% من مساحة الأرض، ويتواجد الماء على شكل محيطات وأنهار، وبحار وبحيرات، وينابيع وأمطار، وثلوج وبخار الماء أيضاً، كما ويتواجد في خلايا الكائنات الحية سواء في جسم الإنسان أو غيره منهم، فنحن لا نستطيع أن نعيش بدون الماء، فأجسام الكائنات الحية تحتاج للماء بكثرة، في حين أن جسم الإنسان هو عبارة عن 60% منه من الماء، وكذلك الأمر بالنسبة للنباتات والحيوانات، حيث أن الكائنات الحية تحتاج إلى الماء حتى تستطيع القيام بالعمليات الحيوية على أتم وجه، فالماء يعمل على تحليل العناصر الغذائية في أجسام الكائنات الحية من خلال توزيعها إلى مختلف أعضاء الجسم، وتحويلها لطاقة أو مواد مهمة لنمو الجسم، كما أنه يساعد الجسم على التخلص من الفضلات أيضا، ومما يجدر ذكره أن الإنسان الذي يبقى أكثر من ثلاثة أيام من دون ماء يكون معرضاً لفقدان حياته بنسبة كبيرة جداً بحسب الدراسات الطبية، كما أن الماء مهم لجسم الإنسان فهو يحميه ويقيه من الإصابة بكثير من الأمراض الخطيرة، ويحافظ على صحة الجسم وسلامته، ليس هذا فحسب فلا ننسى دخول الماء في حياتنا في النظافة وإعداد الطعام والإستخدامات المنزلية، كما في الزراعة والصناعة وحتى في توليد الكهرباء حيث تم الإستفادة منه في إنتاج الكهرباء وتوليد القدرات الكهربائية.
ومن هنا يتبين لنا كيفية ارتباط الأمن المائي الناتج عن ترشيد إستخدام المياه بالأمن الغذائي والأمن القومي، خصوصاً إذا ما تذكرنا بأن الوطن العربي يواجه صعوبات بالغة في عملية ترشيد استهلاك المياه وعملية العثور على مصادر جديدة للمياه، فبالرغم من وجود العديد من المدن المطلة على المسطحات المائية إلا ان الوطن العربي يعتبر من أشد مناطق العالم شحاً بالمياه بحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، وذلك نظراً لكون هذه معظم المياه فيه مالحة وغير صالحة للشرب، فطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى ان أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000- 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، فان 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية، وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية، ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993م ان متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطـن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل إلى 667 مترا مكعبا في سنة 2025م بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960م، أي بانخفاض بنسبة 80%، أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، فاغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها، فاثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال وكينيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية هي بلدان تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية للوطن العربي.
من هنا كان لزاماً على شركات المياه في جميع الأقطار العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية كصاحبة أطول السواحل على البحر سواء الأحمر أو الخليج العربي أن تعزز برامج ترشيد المياه، سواء من خلال الحملات الإعلامية وتوعية المواطنين أو من خلال الإستخدام الرشيد لمياه الأمطار والبحار.
فتلك هي قصتنا نحن والقطرة، التي يبدأ الأمر بها وينتهي عندها، قطرة المياه التي أنعم الله بها علينا ونحن من علينا الحفاظ عليها والتذكر دائماً بأن حياتنا بأكملها وحياة غيرنا من المخلوقات مرهونة بها بإرادة الله عزوجل.
[COLOR=#FC1903]بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران[/COLOR]