تحذير جديد سمعنا عنه منذ فترة عبر الكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، مفاده وقوع الكثير من الشباب في كمين الادمان على ما أطلق عليه إسم "المخدرات الرقمية"، وأن عدد الإصابات بهذا النوع الجديد من الإدمان في تركيا وحدها وصل ما يقارب 200 ألف مصاب، وعدد آخر في لبنان، وإصابات معدودة على أصابع اليد الواحدة في المملكة العربية السعودية، ثم وفاة أحد المصابين في السعودية مؤخراً، لينتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم وهو المتوقع مع الثورة الإعلامية الجديدة في عالم التكنولوجيا.
وقد انبرى كثير من الزميلات والزملاء الأكارم لطرح هذا الموضوع وتداوله على نطاق واسع، لذا كنا نجهز أنفسنا لتسليط الضوء عليه في مقالتنا الثانية لهذا الشهر وقد أعددنا المواد لذلك، قبل أن يأتي الخبر اليقين بالنسبة لنا قبل كتابة مقالتنا بيوم واحد فقط من بيان المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأردنية الذي جاء فيه:
"أنه لا أساس من الصحة أو العلم للادعاءات المرتبطة بالمخدرات الرقمية من حيث المصطلح وطريقة الاستخدام والتأثير، وهو مفهوم تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام عبر اخبارها وأنه يكون على شكل مواقع الكترونية تبث موسيقي صاخبة او مواقع فيديو يتم تحميلها من خلال برامج خاصة على شبكة الانترنت، علما بأنه لا يوجد اي تعريف علمي معتمد لهذه الظاهرة ولم يتم نشر اي معلومات علمية موثقة من اي سلطات رقابية في العالم، وأنه وإيمانا من المؤسسة العامة للغذاء والدواء بدورها التوعوي كمؤسسة وطنية تحرص على صحة وسلامة المواطنين تهيب المؤسسة بالأباء والأمهات وأولياء الامور تحذير ابنائهم من الدخول الي المواقع غير المعروفة والمألوفة، والتي قد تدعي ترويجها لما يسمى بالمخدرات الرقمية التي تجلب لمن يستخدمها الشعور بالاسترخاء والنشوة، كما تحث المؤسسة اولياء الامور على التواصل مع ابنائهم وعدم تركهم في غرف معزولة بعيدا عن الأسرة، حيث أن ما يتم تداوله يدخل ضمن ترويج الشركات لتحقيق ارباح سريعة والالتفاف على المراهقين كونهم فئة مستهدفة يسهل الوصول اليهم والتضليل بهم، كما يتم الادعاء ان من شروط الاستخدام شراء كتاب توجيهات يتضمن جميع المعلومات عن هذا المخدر وكيفية الدخول والوصول الى هذه الحالة المزاجية، بدءا باختيار جرعة موسيقية من بين عدة جرعات متاحة تعطي تأثير صنف المخدر الذي يريده المستمع بالإضافة الى تحميل هذه المنتجات والتي غالبا ما (تحمل أولاً بشكل مجاني كعينة تجريبية) على جهاز مشغل الأغاني المدمجة الخاص بالشخص أيا كان نوعه، واستخدام سماعات ذات جودة عالية من نوع "ستاريو" كي تحقق أعلى درجات الدقة والتركيز حيث ان الفارق بين طرفي السماعة هو الذي يحدد حجم الجرعة، اضافة الى وجوب جلوس الشخص الذي يريد الحصول على شعور الاسترخاء في غرفة خافتة الإضاءة ويكون بحالة استرخاء شديد، حيث تؤكد المؤسسة ان هذا الأمر ليس له اي اساس من الصحة ولا يعتمد على اي دليل علمي، وان من الخطأ استخدام مصطلح المخدرات الرقمية حيث أن هذا لا يعدو كونه ترويج للمنتجات وتضليل لشبابنا ولأخلاقياته، وان المؤسسة تقوم حاليا بالتواصل مع الهيئات الدولية المعنية والسلطات الرقابية في الدول المجاورة والتنسيق مع الوزارات والمؤسسات الوطنية للتزود بأي معلومات موثقة حول هذا الموضوع، كما تم التواصل مع ادارة مكافحة المخدرات في مديرية الامن العام وتم التأكد بأنه لم يتم تبليغ او رصد اي حالة تتعلق بهذا الموضوع".
ولذلك كان ينبغي علينا حتى ومع التأكيد على عدم وجود ما يسمى بالمخدرات الرقمية، ضرورة التحذير من ترك شبابنا للغرق في عالم تكنولوجيا الأرقام والتقنيات الجديدة بدون رقابة، لأننا ربما نفاجئ عندها بمصائب أكبر من المخدرات بكثير وقد سمعنا كيف أن من الأرقام ما قتل صاحبه أو تسبب في مقتل غيره، كما ينبغي علينا تجديد الحذر من تناقل المعلومات في عالم الأرقام التي أسست لثورة تكنولوجيا المعلومات التي نعيشها اليوم، وضرورة التحقق من المعلومات من الجهات الرسمية قبل نشرها، وقد رأينا قبل أيام كيف ذكر مخرج نرويجي أنه صاحب مقطع فيديو انتشر قبل أيام لطفل سوري ينقذ شقيقته من نيران الأسد وحصد ملايين المشاهدات في وقت قياسي، ليكشف أن هذا المقطع قام بتصويره في إحدى البلدان لتسليط الضوء على الانتهاكات ضد الأطفال في العالم.
لذلك كان من الضروري علينا جميعاً خصوصاً من يدورون في فلك الحقل الاعلامي التوثق من كل معلومة قبل نشرها للعلن والتراجع عن الخطأ في حال حدوثه، فهناك الكثيرين من يتلقون المعلومة منا ويتناقلونها على أنها صحيحة، الأمر الذي يمكن أن نتجنبه بترسيخ مبدأ قوله تعالى في الآية 18 من سورة ق: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
[COLOR=#FF0800] بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران[/COLOR]