بالأمس كانت الذكرى التاسعة للتفجيرات الإجرامية التي هزت العاصمة الأردنية عمان في العام 2005م وذهب ضحيتها عشرات الضحايا والمصابين، تلك الصاعقة التي نزلت على شعب لم يتعود إلا أن يحب ويحترم الآخرين فخرج في صباح اليوم التالي هاتفاً بصوت واحد ضد الإرهاب والإرهابيين، هؤلاء الذين لم يكترثوا لفرح تحول إلى حمامات من الدماء والجراح الغائرة طالما كانت عندهم الغاية تبرر الوسيلة.
ورأينا قبل أيام كيف امتدت يد الغدر والخيانة إلى الأبرياء في أرض الحرمين الشريفين في يوم يكفر صيامه ذنوب عام بأكمله، إلا أن هؤلاء اختاروا التقرب إلى الله في ذلك اليوم بدماء أبناء دينهم ووطنهم !
ونسأل هؤلاء أين هم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يقبل الدعاء على المعتدين عليه وصمم على الدعاء لهم بدلاً من ذلك، وأين هم من ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي حاصر بيته بعض الثائرين المغرر بهم من المسلمين لقتله ورغم ذلك لم يقبل أن يقاتلهم أحد من الصحابة قائلاً بأعلى صوته: لا أقبل أن أكون أول من يريق دم مسلم، وأين أنتم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قالها صراحة عندما وصله نبأ حشود الروم على حدود الشام لاحتلالها استغلالاً للخلافات بينه وبين معاوية: والله لو فعلها بني الأصفر لوقفت إلى جانب معاوية.
أين أنتم من سيد شباب الجنة الحسين بن علي رضي الله عنه عندما جاءه الحر بن يزيد الرياحي بجيشه لقتاله وقطع الطريق عليه وكان الحر وجيشه في تعب وعطش شديد، فما كان من الحسين رضي الله عنه إلا أن يعمل بأخلاق جده صلى الله عليه وسلم وأمر بإعطائهم الماء ليشربوا هم وخيولهم.
أين أنتم من سيدنا عيسى المسيح عليه السلام عندما مر يوماً مع الحواريين بكلب مضى على موته أياما فقال الحواريين: ما أشد نتن ريحه، ليرد عليهم عليه السلام: ولكن ما أشد بياض أسنانه، ونعود ونسأل هؤلاء أين أنتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما غضب قائلاً لو أمكنني الله من قريش لأمثلن بستين منهم رداً على ما فعلوه بعمه حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه، فما كان إلا أن أنزل الله تعالى عليه الآيات من 125 إلى 128 من سورة النحل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أَحسن إن ربك هو أَعلم بمن ضل عن سبيله وهو أَعلم بالمهتدين * وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين* واصبر وما صبرك إلا باللَّه ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون * إن اللَّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}، فقال صلى الله عليه وسلم مباشرة بل نصبر ونحتسب.
ما جرى في الإحساء قبل أيام ما هو إلا امتداد للتفجيرات التي وقعت في الأردن قبل 9 أعوام وقبلها في أرض الحرمين وغيرها من البلدان التي اكتوت بنار الإرهاب الأسود، والتي يعمل أعداء الأمة على إذكاء نارها في كل أطراف المنطقة ليمتد حريقها في كل بقعة من بلادنا وخصوصاً ما تبقى فيها من الدول المستقرة وعلى رأسها أرض الحرمين الشريفين، وفي الوقت الذي ندعو فيه بالرحمة لمن فقدنا من أبنائنا المواطنين الأبرياء في السعودية والأردن وغيرها من بلادنا العزيزة على قلوبنا، وأن يلهم الله أهلهم الصبر والسلوان لعلنا جميعاً كل من موقعه أمام واجب كبير أن نرفع أصواتنا بالفعل قبل القول لمنع لكل من يعمل على زرع الطائفية والتفرقة والفتنة ببلادنا، وقد أثلج صدورنا رد الفعل السعودي قيادة وشعبا رفضاً لمثل هذه الجرائم، والذي اختصره قبل يومين أهل منطقة الإحساء الكرام بهتافهم الرائع:"إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه"، مؤكدين لحمة وتوحد الشعب السعودي قيادة وشعبا في وجه كل إرهابي نصب نفسه أداة قتل وإجرام في حق أبناء دينه ووطنه وحتى في حق أي إنسان معصوم الدم بأمر الله عزوجل، ولعل الله يخرج من رحم ألم هذا المصاب من بين صدورنا ما يوحد به صفوفنا أكثر وأكثر، ويقنعنا بأننا بحاجة دائمة للتعايش والتحاور فيما بيننا بغض النظر عن دين أو لون أو عرق، محققين أمر ربنا عز وجل في الآية 13 من سورة الحجرات: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، ونعود ونقول أن المصاب جلل ومؤذي للقلوب لكن سعينا في تحويل كل ألم إلى أمل وكل مصاب إلى بحث دائم عن الصواب والحكمة لن يتوقف بإذن الله، فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران