الأبناء وتربيتهم أمانة بين أيدينا؛ فلا بد من تربيتهم على المسؤولية؛ فهم زينة الحياة، فبدونهم تتحول الحياة إلى تعاسة؛ ولذلك نسعى دائمًا لتوفير الحياة المرفهة لهم، ونوفر لهم كافة أسباب الراحة والسعادة، فلا نريد لهم أن يعيشوا حياة القسوة والتعب، والشِّدَّة والهم والألم.
فبعد القسوة والشِّدَّة التي رافقتنا في الحياة، أصبحنا نخشى على أبنائنا من تأثيرات قسوة الحياة، وبِتْنا نتحمل عنهم المسؤولية، إضافة إلى مسؤولياتنا الكثيرة والكبيرة والمتعبة، فبِتْنا نخاف عليهم حتى من النعاس، فنتركهم كسالى نائمين، ونهيئ لهم سبل الراحة، ونقوم بجميع أعمالهم البسيطة، ونربيهم على الاتكالية.
فهذه التربية تُفقد الأبناء الإحساسَ بالمسؤولية، وتُشعِرهم بالتذمُّر والضجر من أي عمل مُسند إليهم، وتُفقدهم أيَّ مهارة من مهارات اتخاذ القرار؛ مثل: القدرة، والممارسة، وحل المشكلات، وغيرها، وربما تطور الأمر لفقدانِ الصبرِ.
يقول علي الطنطاوي:
(وإننا نتساءل: ما المشكلة لو تحمَّل صغيرنا المسؤولية ليشتد عُودُه ويصبح قادرًا على مواجهة مسؤولياته وحده؟ ماذا لو عمل وأنجز؟ وشعر بالمعاناة وتألم؟ فالدنيا دار كد وكدر، ولا مفرَّ من الشقاء فيها ليفوز وينجح).
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((المُؤمنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ منَ المُؤمنِ الضَّعيفِ))؛ [أخرجه مسلم في الصحيح].
فلا بد على كل أبٍ وأم أن يبذلا أقصى جهدهما في تربية أبنائهم، من خلال التوجيه والإرشاد، وتعليمهم الطريق الصحيح، فتأملوا قصة ابن سيدنا نوح، عندما بذل نوحٌ كل طاقاته وأوقاته وأيامه ليركب ابنه معه في سفينة النجاة؛ قال تعالى على لسان نوح: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42].
فهنا إشارة إلى أن نوحًا من خلال التوجيه لابنه والإرشاد أراد له المشيَ على الأرض المستوية، الخالية من الفيضانات.
أيضًا لا بد أن تجاهد في بناءِ شخصيات ناجحة لأبنائِك؛ كي تعزز سلوكياتهم وتطوِّرها للإيجابِ؛ فالابن لا يخرج للحياة وهو يعلم كل شيء؛ ولهذا علِّموا أولادكم التعاون وتحمُّل المسؤولية.
فأكبر خطأ يتحمله الآباء أن يسعى أحدهم جاهدًا في حلِّ مشاكل أبنائه بنفسه، واتخاذ أهم القرارات عنهم، ومتابعتهم وإرشادهم، وحظر حريتهم، والتشديد عليهم في كل شيء؛ مما يخلق لديهم بعض المشاكل، ويُشعِرهم بعدم الراحة والاستقلالية، ويزعزع الثقة في شخصياتهم.
فلا بد من بناء العلاقة الجيدة معهم، والاعتماد عليهم في صغائر الأمور؛ فالعلاقة القائمة على الثقة والتقدير والصفح والرحمة هي التي تبني لديه الشخصية القيادية الناجحة، وتجعل له هدفًا في الحياة، يشعُر من خلال هذا الهدف بالسعادة، وتقدير الذات، والاستقرار في الحياة، وتقديس العمل.
فساعدِ ابنك حتى يُصبح شخصية فَذَّة، وشجِّعه على العمل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].
وأخيرًا:
أهم ما يحتاجه الأبناء في الحياة هو تعلم القرآن؛ فإذا علَّمت ابنك القرآن، فقد علمته منهج الحياة الحقيقية؛ لأن القرآن منهج وطريقة ومشروع حياة، وطُهر وشِفاء وغذاء للروح، ومحلٌّ للعِظَة والعبرة، فتدبُّر القرآن يقودهم لتحمل المسؤولية، ومن ثَم الوصول للنجاح، وصناعة المستقبل، وتحقيق الطموحات، وبلوغ الغايات.
الكاتبة
سلوى السلمي