إن المتفحص لبرامج التنمية في المملكة خلال الأعوام العشرين الماضية يجد النتائج الباهرة للطروحات البيئية التنموية، والتقدم المستمر في برامج التصنيع والمواقف الايجابية تجاه قضايا البيئة إقليمياً ودولياً.
وتتزامن التطورات الدولية في مجال قضايا البيئة خلال تلك السنين مع اعتماد منهج التخطيط التنموي في المملكة العربية السعودية وقد واكبت المملكة هذه التطورات، ولعل أهم ما تحقق في هذا المجال ما يلي :
1) إدخال الاعتبارات البيئية في اختيار مواقع أهم المشروعات البيئية كالمدن الصناعية المعروفة في الجبيل وينبع، التي تُعّد بحق مثالاً لتكامل الاعتبارات البيئية والتنموية، وقد شهد بذلك العديد من المنظمات ولا أدل من الشهادات العالمية والأوسمة الدولية لهذه المدن الصناعية العملاقة.
2) إنشاء الهياكل التنظيمية التنفيذية لأجهزة حماية البيئة والمحافظة عليها من مثل: الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ولجنة تنسيق حماية البيئة واللجنة الوزارية للبيئة.
3) إصدار مقاييس وطنية لحماية البيئة لالتزام معظم المشروعات البيئية الرئيسة بها ضمن مشروع التوعية البيئية السعودي الطموح.
4) إصدار المواصفات القياسية لتحديد انبعاث الملوثات من السيارات وتطبيقها على جميع السيارات المستوردة إلى المملكة بمتابعة دقيقة من هيئة المواصفات والمقاييس.
5) إنشاء المحميات الطبيعية للأحياء الفطرية والمتنزهات الوطنية ومسيجات المراعي والمناطق المحمية المعروفة بالمحميات حفاظاً على التنوع الإحيائي والبيئي.
6) نتيجة تلك الاعتبارات والإنجازات، تنامى دور المملكة على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية في مجال البيئة ومنظمات البيئة البحرية، لكل من البحر الأحمر والخليج العربي وفي مجالس الوزراء والمسؤولين عن شؤون البيئة في كل من مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجامعة العربية.
وقد جاءت خطط التنمية الخمسية في المملكة وما زالت لتؤكد على ضرورة استمرار العمل البيئي من خلال: تحسين الصحة العامة وضمان سلامة حياة المواطن وحماية البيئة الطبيعية من التصحر والتلوث ودعم مساهمات الأفراد والمؤسسات في المحافظة على البيئة، وكذا على أهمية توفير خدمات بيئية شاملة ونشر مقاييس بيئية لجودة الهواء المحيط وجودة الماء والتخلص من النفايات.
وقد ظهر اهتمام المملكة بالبيئة والنواحي البيئية في مشروعاتها البيئية، مع النظام الأساسي للحكم ونظام المناطق.
ففي هذه الأنظمة أعطيت البيئة موقعاً خاصاً، كما في المادة الثانية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم، التي تنص على ( تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها ) .
فلقد أدى التباين الكبير بين التوسع العمراني وعدد السكان خاصة في المدن الكبيرة، إلى بروز ظاهرة الأراضي البيضاء داخل المدن، وانتشار الأحياء السكنية على مسافات متباعدة مما يعني صعوبة تغطية ذلك الانتشار المستمر بشبكات المرافق والخدمات اللازمة، وعدم استغلال التجهيزات الأساسية المتوافرة، بصورة أمثل، الأمر الذي يعني في كلا الحالتين زيادة في التكاليف والأعباء المالية سواءً للإنشاء أو التشغيل والصيانة. وللتغلب على هذه الظاهرة تتبنى خطة التنمية السابعة الاستمرار في تطبيق قواعد النطاق العمراني على أن يتسق التوسع العمراني لكل مدينة مع حاجتها الفعلية، إضافة إلى المحافظة على الأراضي الحكومية المخططة والبيضاء في مختلف مدن المملكة، ومنع التعدي عليها، وإيجاد الآلية التي تكفل إزالة التعديات في الوقت المناسب، واستخدام الأراضي وفقاً لما خصصت له.
كما أدى اتساع النطاق العمراني ونمو السكان بمعدلات عالية إلى التوسع في توفير مياه الشرب من خلال حفر الآبار وتحلية المياه المالحة وتمديد شبكات المياه ومرافقها. ونظراً لمحدودية مصارد المياه وارتفاع تكلفتها وأهمية توفير كمية كافية من مياه الشرب بتكاليف معقولة فقد أصبح من الضروري ترشيد استخدام المياه للأغراض الزراعية والصناعية، والتوسع في الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة، فضلاً عن الاستمرار في إجراءات الحد من تسرب المياه في الشبكات القائمة، وكذلك الاهتمام بموضوع تلوث مياه الشرب للمحافظة على الصحة العامة في المجتمع.
وعلى الرغم مما تم تحقيقه من إنجازات في خدمات الصرف الصحي على مستوى المملكة، إلا أن الحاجة ما زالت تستدعي مزيداً من التوسع في توفير الشبكات والتوصيلات المنزلية، ومحطات المعالجة. ويتطلب ذلك البحث عن البدائل والحلول الملائمة لتمويل مشروعات شبكات الصرف الصحي الحيوية، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في بناء الشبكات ومحطات المعالجة وتشغيلها وصيانتها، ووضع الضوابط اللازمة لذلك.
وكما شهدت مدن المملكة زيادة سريعة وملحوظة في النطاق العمراني مع تضاعف أعداد السكان وزيادة تركزهم في المدن وبخاصة المدن الرئيسة. فقد صحب ذلك التوسع بروز بعض الظواهر السلبية منها تدني نسبة المساحات السكنية المغطاة بشبكات الصرف الصحي، والإسراف في إنتاج النفايات مع محدودية الاستفادة منها. لذا، تقتضي الضرورة تكريس المزيد من الموارد لتحسين مستوى خدمات صحة البيئة. وفيما يختص بموضوع النفايات فإن الأمر يتطلب مزيداً من الجهد لدفع المواطنين للحد من إنتاج النفايات، وكذلك الإفادة من التجارب العالمية في مجال التعامل مع النفايات وطريقة استثمارها، إذ لا يتم حالياً سوى تدوير نحو (35%) من إجمالي النفايات في المملكة.
ومن هنا ففي 28/5/1394هـ ، أنشئت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 717، وحُددت قواعد عملها ولوائحها التنفيذية وتستمد الهيئة شرعيتها وسلطاتها من مجلس الوزراء.
وفي 11/2/1402هـ صدر قرار مجلس الوزراء رقم 37 الذي أضاف إلى مسؤولياتها، مهمة التنسيق والإشراف والتنفيذ بالنسبة لمشروعات البنية الأساسية في مدينة الرياض.
وفي 4/9/1403هـ صدر قرار مجلس الوزراء رقم 221 القاضي بإنشاء مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة ليكون جهازها التنفيذي الإداري والفني.
وأنيط بالمركز مهمة إعداد الدراسات وجمع وتجديد المعلومات التفصيلية عن مدينة الرياض في مجالات الاقتصاد والسكان واستعمالات الأراضي وشبكة الطرق وغيرها من المرافق العامة وإعداد نظام المعلومات الحضرية وربطها بخريطة أساسية للمدينة.
أما البرامج التنموية التي تتبنى الهيئة العليا تنفيذها فمنها:
1- برنامج التطوير العمراني: ويعتمد هذا البرنامج على عدة أسس، أهمها: تكوين القدرات الذاتية وبناء نظام للمعلومات الحضرية وتوسيع دائرة اهتمامات الهيئة وإشراك القطاع الخاص في تطوير مدينة الرياض إلى جانب تنفيذ مشروعات متكاملة المرافق تسهم في تحديد اتجاهات التطوير ونمطه.
2- برنامج النظم والتخطيط: ويشمل العناصر التالية:
استكمال وضع خطط منسّقة ومشتركة للمرافق والخدمات العامة واستكمال دراسة وضع الأراضي البيضاء بالرياض وإيجاد طرق رديفة لطريق مكة المكرمة وتحسين أداء الطرق الرديفة لطريق الملك فهد.
3- برنامج التنمية الثقافية والحفاظ على التراث:
ويتكون من عناصر أساسية أهمها: وضع المخطط الرئيسي لمنتزه الرياض وإعداد التصميم العمراني للدرعية القديمة وحصر مناطق التراث الواجب الحفاظ عليها.
4- برنامج التنمية الاقتصادية : ويهدف إلى تنويع القاعدة الاقتصادية بالرياض ورفع مستوى معيشة السكان وإتاحة فرص العمل المنتج للمواطنين وتحسين المناخ الاستثماري بالرياض، وزيادة مقدرتها على جذب وتوظيف رؤوس الأموال.
لقد حرصت الهيئة العليا في مشروعاتها التطويرية التي قامت بها على مراعاة الاعتبارات البيئية، حيث انعكس ذلك في جميع مشروعات الهيئة في الاهتمام بالتكامل والانسجام بين البيئة الطبيعية والبيئة المشيّدة ، وعدم الإخلال بالتوازن بينهما، وذلك بمراعاة الكثافة السكانية والظروف المناخية وخصائص الأرض وتضاريسها ومكوناتها الجيولوجية وتوجيه استخدامات الأراضي بما يتناسب مع الظواهر الطبيعية.
لذا قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في إطار سعيها لتنمية متكاملة ومتوازنة حضرياً واقتصادياً وبيئياً على تنفيذ برنامج متكامل لإدارة البيئة وحمايتها في مدينة الرياض التي يسكنها حالياً أكثر من 2.5مليون نسمة.
وقد تصدّت الهيئة العليا لمواجهة المشكلات البيئية في المدينة وهي تقوم على برنامج متكامل بهذا الخصوص، يهدف إلى : المحافظة على المعالم والموارد الطبيعية البارزة في مدينة الرياض وما حولها وتطويرها وتهيئتها لاستخدامات تتناسب ووضع كل منها والتصدّي للمشكلات البيئية الطارئة ومعالجتها وتنمية مدينة الرياض وتطويرها من خلال برنامج تنموي وتطويري يراعي فيه المتطلبات البيئية.
أما أهم المشروعات التي تحققت في عهد خادم الحرمين الشريفين بالنسبة للهيئة العليا، فمنها:
1- تطوير وادي حنيفة، حفاظاً على المقومات البيئية بتنظيم مصادر المياه وضمان استمرار النشاط الزراعي.
2- تهيئة متنزه الثمامة، لإيجاد منفذ ترويجي وحفاظاً على الموارد البيئية المتاحة.
3- السيطرة على مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية الجوفية لخفض منسوب تلك المياه المتضررة منها المدينة إلى مستودعات آمنة، ووقاية الناس من الآثار الصحية والهندسية الناجمة عنها.
4- استكمال شبكات الصرف وترشيد استهلاك مياه الري وترشيد استهلاك مياه الشرب.
5- حماية الحياة الفطرية في مدينة الرياض، نظراً لوجود أنواع عديدة من الحيوانات الفطرية في المدينة وما حولها.
6- دراسة أسباب تلوث الهواء في مدينة الرياض، بالتعاون مع مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، لتحديد أنواع التلوث وكميات الملوثات ومصادرها، بغية تكوين قاعدة معلومات تساعد على تفادي مشكلة تلوث الهواء.
7- دراسة تلوث المياه في مدينة الرياض بالمشتقات النفطية، من خلال أخذ عينات من المياه النفطية وتحليلها وتحديد حجم تلوثها، ورصد المصادر المحتملة لتلوث المياه، للتحكم فيها ومعالجتها.
8- دراسة طرق التخلص من النفايات الصلبة، بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، وذلك على مستوى المملكة لإعداد قواعد إرشادية لاختيار مدافن وطرق آمنة للتخلص من هذه النفايات، كما جرى بالتنسيق مع أمانة مدينة الرياض وضع احتياطات بيئية لمدافن النفايات في المدينة.
وحسب الإحصاءات والدراسات الحديثة ، فإنه من المتوقع أن يصل عدد سكان مدينة الرياض إذا استمر النمو السكاني فيها بالمعدلات الحالية إلى حوالي سبعة ملايين نسمة بنهاية عام 1435هـ . ويواكب هذا التوسع، توسع في المدينة ونمو في خدماتها وتنوع في أنشطتها وزيادة محطات الطاقة والوقود وزيادة في النفايات والمخلفات.
الأمر الذي يؤكد أهمية برامج تنموية وبيئية من خلال الهيئة العليا لتطوير الرياض والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية ومصلحة الأرصاد وحماية البيئة... لمواجهة التحديات البيئية والتصدّي لها بشكل مباشر وفعّال..
[COLOR=#FF0026]أ . د / زيد بن محمد الرماني [/COLOR]
ــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بمعهد البحوث والخدمات الاستشارية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]