لقد استبشر المسلمون في أواسط القرن الماضي بتحرر بلادهم من الاستعمار العسكري الأجنبي، لكن الكثيرين لم يفطنوا إلى أن الاستعمار العسكري حين رحل عن بلاد المسلمين لم يتركها بغير نفوذ، بل إنه خلّف وراءه مَنْ كانوا أشدّ منه على الشعوب ظلماً وعتواً. وإن تخفوا وراء شعارات وأردية وأقنعة أخفت حقائقهم عن الشعوب ولا تزال.
فقد تغيّر الاستعمار الجديد وتعددت وسائله وأساليبه، من خلال صناعة الزعيم، وصناعة الانقلابات، وصناعة الشعارات، إضافة إلى العديد من المشاكل السياسية التي عانى ويعاني منها العالم الإسلامي.
وبالمعايير الاقتصادية السائدة، فإن اقتصاد العالم الإسلامي بواقعه الحالي أليم. فالدخل الوطني في أكثر بلاد العالم الإسلامي يضع الفرد في أقل مستوى، والواقع المشاهد يؤكد لغة الأرقام. والطوابير الطويلة التي يقضي فيها الأفراد نصف يومهم بحثاً عن حاجياتهم مشكلة مستديمة، هذا إن وجد في جيبه بعض النقود.
والإنتاج الوطني هو الآخر سيئ، فالعالم الإسلامي محروم من الصناعات الثقيلة والإنتاج الكبير، وأصبح العالم الإسلامي مزرعة تستجلب القوى العالمية موادها الأولية، وأصبحت كذلك سوقاً استهلاكية توزّع القوى العالمية فيها سلعها وتجارتها.
وميزان المدفوعات في العالم الإسلامي مختلّ. لأن أكثر دوله تستورد أكثر مما تصدّر.
وفي ظل هذه الأوضاع المختلفة تمكّن الاستعمار الغربي أن يبسط سلطانه على بلاد الإسلام، ويفرض نظامه الاقتصادي مع فلسفته الرأسمالية والشيوعية ونظرياته الاقتصادية الفردية والجماعية، حتى لم تعد أبواب الرزق تفتح إلاّ لمن يختار مبادئ هذا النظام الاقتصادي.
فأكل المسلمون في معظمهم السحت أولاً، ثم محا الاستعمار من أذهان المسلمين ما كان من تمييز بين الحلال والحرام.
إن الآثار الاقتصادية التي خلّفها الاستعمار في العالم الإسلامي كثيرة في النواحي الاقتصادية خصوصاً وقد تركت بصماتها على الواقع الاقتصادي المعاصر.
أولاً: وجّه الاستعمار موارد البلاد الإسلامية إلى مصالحه الخاصة. فشجّع رؤوس الأموال الأجنبية على غزو البلاد واستثمار خيراتها. وأصبحت معظم الشركات أجنبية تدار لمصالح استعمارية.
وأقام المؤسسات الاقتصادية والبنوك لتوظيف ذهب الغرب الذي طفت به خزائن بنوكه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
وفتح الغرب الرأسمالي الأسواق لمصنوعاته ومنتجاته وخصوصاً الاستهلاكية والترفيهية والكمالية، فأصبح لدى أفراد العالم الإسلامي ولعٌ خاص بالاستهلاك التفاخري، ولهم جرأة عجيبة على الإنفاق الاستهلاكي والتطرف فيه.
ثم عمد الاستعمار إلى إقراض الحكومات للسيطرة عليها وتكبيلها بالنفوذ الغربي وإيقاعها في الديون وأقساطها للاستيلاء على أملاكها.
ثانياً: احتكر الاستعمار التجارة الخارجية للبلاد الإسلامية ومعظم التجارة الداخلية، وعمد إلى توطين الأوروبيين في البلاد الإسلامية عن طريق التجارة، وأوفد إلى البلاد العربية خاصة مئات الألوف من الأوروبيين، فاستوطنوا فيها وتحكمّوا في اقتصادها وخصوصاً في أقطار المغرب العربي.
ثالثاً: اتجه الاستعمار إلى محاربة الصناعة الوطنية في العالم الإسلامي ليضمن استمرار تبعية البلاد الإسلامية له اقتصادياً، كما تتبعه عسكرياً وسياسياً، وليضمن تصريف منتجات مصانعه فيها.
رابعاً: احتكر الاستعمار ثروات العالم الإسلامي المعدنية، وبخاصة البترول من البلاد العربية، إضافة إلى احتكار القصدير والحديد والنحاس. وللأسف فقد خرج المستعمر ولكن بقي استخراج معظم هذه المعادن بيد الشركات الاستعمارية.
خامساً: شجّع الاستعمار نظام الإقطاع والطبقية في النشاط الزراعي، وحرم السواد الأعظم من المسلمين أن يعيش في مستوى لائق.
هذه بعض الآثار الاقتصادية للاستعمار الغربي الذي ضرب بظلاله على كافة الدول الإسلامية، وما أفرزه من مخططات واستراتيجيات ووسائل لسلب ونهب خيرات العالم الإسلامي، وجعله في تبعية دائمة ، وإرهاب اقتصادي مستمر .
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية