المجتمع المعرفي
«مجتمع المعرفة» أو المجتمع المعرفي في وسائل الإعلام وأدبيات وتقارير منظمات التنمية البشرية، هو المفهوم الذي يعرّفه بعض المفكرين على أنه توافر مستويات عليا من البحث والتنمية وتكنولوجيا المعلومة والاتصال.
والنشاطات المعرفية الرئيسة الثلاثة تتركز في توليد المعرفة بالبحث والتطوير؛ ونشرها بالتعليم والتدريب ووسائل الإعلام المُختلفة؛ وتوظيفها والاستفادة منها في تقديم المُنتجات والخدمات الجديدة أو المُتجددة، وفي الارتقاء بالإنسان وإمكاناته الاجتماعية والمهنية.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الأمم لبناء مجتمع معرفي باعتبار ذلك السمة الأساسية المميزة لمجتمع المستقبل فإنه تخلو قائمة أهم 50 دولة تتصدر البيئة التحتية الاتصالية من أي دول عربية للأسف الشديد، حيث تتقدم هذه القائمة دول مثل السويد والنرويج وفنلندا وأمريكا وسويسرا وأستراليا وسنغافورة وهولندا واليابان وكندا وألمانيا وهونغ كونغ، وبالتالي فإن الدول العربية أصبحت خارج التنافس المعرفي. يحدث هذا ونحن شاهدين على ولادة عصر جديد هو (عصر المعرفة) أو ما يسمى (مجتمع المعرفة) (Knowledge society).. هذا المجتمع الذي اتخذ من ثورة الاتصالات والتكنولوجيا شعاراً له، ومنهج حياة بعد تغلل الإنترنت على سبيل المثال في كل معطيات الحياة، حتى تحولت الحكومات الورقية إلى حكومات إلكترونية كحتمية لهذا التحول العالمي.
دعونا نركز على النشاطات الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها (توليد المعرفة ونشرها والاستفادة منها ) ونفترض بالطبع أن المحضن الطبيعي لمثل هذه الأنشطة في بلادنا هي الجامعات والتعليم الأساسي (وزارة التربية والتعليم)، فالبحث العلمي رغم الجهود الطويلة للنهوض به لا يزال اليوم أمراً مضحكاً كل ما على الطالب الجامعي عندما يفكر في إنجاز بحث نظري هو الذهاب إلى أقرب قرطاسية وشراء ما يحتاجه من بحوث جاهزة ومعلبة، بل وبلغ من سخف وسطحية التعليم العالي في بلادنا أن هذه القرطاسيات باتت تتسابق على نشر الملخصات الورقية للأساتذة الأكاديميين بديلة للكتاب الورقي في الوقت الذي نسعى فيه إلى الاستفادة من الكتاب الإلكتروني كمرحلة منتظرة ومتوقعة لتطور البحث العلمي والقراءة، أما البحث في المدارس فهو يأخذ شكلاً اسمياً ليس إلا، وهو عبارة عن أنشطة هزيلة متناثرة هنا وهناك لا يهتم بها غالبية المعلمين لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ورغم محاولات وزارة التربية الارتقاء بالمناهج ولفت الأنظار إلى البحوث العلمية التي تناسب التلاميذ - كأداة للتعلم - إلا إنها لم تواكب هذا التطور الحاصل في المناهج بتدريب المعلمين القائمين على هذه المناهج، فالتدريب قاصر ولم يقدم ما يستحق العناء، ولا يغرنكم كثرة الأرقام والإحصاءات في مجال التدريب، فالمخرجات تكذب الغطاس!
وإذا نظرنا إلى تكاتف القطاعات الأخرى لإكمال الدورة المنتظرة في المجتمعات المعرفية نجد أنه ليس ثمة علاقة أو تنسيق أو ارتباط بين كثير من الوزارات في هذا السياق المعرفي، بل إن الأمر يزداد سوءاً إذا عرفنا أن الارتباط بين وزارة التعليم العالي ووزارة التربية مفقوداً وأبسط دليل على ما أقول هو شهادة الماجستير والعقبات الكثيرة التي تعترض الدارس من منسوبي وزارة التربية مثل التنسيق والمواعيد والبيروقراطية وغيرها مما أوجد حلولاً متوقعة كاللجوء إلى الجامعات الأجنبية غير المعتمدة، وإيجاد برامج مسائية كما تم مؤخراً بعد أن اتسع الخرق على الراقع.
وحتى لا أبدو متحاملاً، فثمة مشاريع جديدة تبشر بمستقبل أفضل في مجال مجتمع المعرفة والتي تتخذ من الإبداع والابتكار المعرفي محوراً وهدفا إستراتيجيا، ولا بد من الإشارة إليها مثل مشروع الحكومة الإلكترونية والذي يجسد برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسر) اهتمام المملكة لتطبيق مفهوم التعاملات الإلكترونية الحكومية، أيضاً مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي تعد منشأة علمية تقوم بدعم وتشجيع البحث العلمي للأغراض التطبيقية وتنسيق نشاطات مؤسسات ومراكز البحوث العلمية في هذا المجال، والعمل على تطوير الكفايات العلمية الوطنية واستقطاب الكفاءات العالية القادرة لتعمل في تطوير وتطويع التقنية الحديثة لخدمة التنمية في المملكة.
هناك أيضاً جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي تعد جامعة عالمية للأبحاث على مستوى الدراسات العليا، وتهدف إلى رعاية الموهوبين والمبدعين والباحثين ودعم الصناعات الوطنية ودعم وإنشاء صناعات جديدة تقوم على المعرفة ودعم الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج الإجمالي ودعم منظومة الإبداع والقدرة على توليد الأفكار المبتكرة وتحويلها إلى اختراعات تشكل قيمة اقتصادية مضافة والإسهام الإيجابي في التعامل مع المؤسسات البحثية والإسهام في التحول إلى مجتمع صانع للمعرفة. ومشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام الذي يعزز القدرة على تنمية أجيال مستقبلية قادرة على التعامل مع النظم الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة.
ومؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع والتي تدعم بناء وتطوير بيئة ومجتمع الإبداع بمفهومه الشامل في المملكة.أيضاً هنالك مدينة الملك عبد الله الاقتصادية باعتبارها أول المدن الذكية في العالم.
ولا ننسى برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي.
باختصار بناء مُجتمع المعرفة يحتاج بصورة رئيسة إلى تعليم عالٍ وعام متطورين، يفتحان جميع نوافذ العلم والتقنية وأبواب فكر العمل والإنتاج، ويُخططان بثقة لمستقبل زاهر، ويُسهمان في الإبداع والابتكار، ويقومان بتهيئة الكوادر المدربة، ويتعاونان ويبنيان الشراكات المعرفية مع المؤسسات المُختلفة داخلياً وخارجياً. وهذا ما بدأت به حالياً بعض الجامعات، ولكن يحق لي أن أقول إنه رغم الميزانيات الضخمة لوزارتي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم، إلا أنني أشعر أن هذه الجهود تشبه ما يبذل على منتخبنا الوطني لكرة القدم من ملايين الريالات، فيأتيه في النهاية فريق بلا إمكانات ولا تاريخ تراكمي - مع احترامي للجميع - ويقصيه من بطولات قارية مهمة كما حدث في كأس العالم السابقة وكأس آسيا الأخيرة، من هنا يجب أن نوظف مثل هذه الملايين جيداً قبل أن يقصينا العالم من مجتمعه المعرفي.
[COLOR=#FF003E]الكاتب : منيف خضير [/COLOR]
[email]Mk4004@hotmail.com[/email]