بغرة رمضان الماضي، وأثناء مروري بالطريق البحري المسمى شارع الخليج السريع الواقع بين مدينتي الدمام والقطيف شرق المملكة العربية السعودية ، لمح أبني خيام كبيرة تنصب أمام البحر، وكأنها أشرعة سفن عملاقة ناطحت عنان السماء وتريد الإبحار من جديد ، كرسائل من الأمل والابتسامة من إنسان إلي أخيه الإنسان ، وكثوب عروس متلألأ بلؤلؤ البحر تريد القطيف لبسه ابتهاجا بمقدم العيد السعيد .
سألني عنها " أبني " فأخبرته إن فريقاً متطوعاً من أهل القطيف الطيبين ، من الرجال والنساء أقسموا على العمل سوية من أجل أسعاد الناس بالعيد ، وجعله عرس جماعي كبير لأهل المنطقة كافة .. وما إن حل عيد الفطر الميمون ، وقمت بزيارة المهرجان بعد المساء ، وأثناء دخولي المهرجان رأيت الأطفال يتراقصون فرحاً مع نغمات أمواج البحر المتلاطمة ، إنهم يغنون ابتهاجا بمتون حنجرة النوخذة ملك البحر .
قبل الولوج في تفاصيل المهرجان ، وتعدد فعالياته ، وددت طرح سؤال : ماذا لو لم يكن مهرجان هنا ؟ ماهو الشعور العام بدون المهرجان ؟ هل هي نفس السعادة والبسمة التي عهدناها كل عام ؟ أسأل أبناءك والجواب يكفي .. هل سنصفق للمزيد من المهاجرين بالعيد للخارج ؟ هل سنوزع الماء البارد على المصطفين على جسر الملك فهد وهم يتركون بلدنا أيام العيد لقضائه بعيداً عن أهلهم وأحبتهم؟ وصرف المليارات بمكان آخر بكل أيام العيد بالدول المجاورة ؟ تخيلوا أحبتي أن بكل مدينة بالمملكة مهرجان بهذه الإمكانيات بأيام العيد ، فماهي ردة فعل الناس ؟ وماهي الإيجابيات ؟ تخيلوا معي رجاء !!
أنا لا أقول إن لدينا فعاليات وإمكانيات وعروض أفضل من عروض جيراننا ، وخاصة المدن التي تذوقت طعم الشبق من التحضر والتمدن ! لكن على الأقل نقول أن لدينا أناس حاولوا صنع الابتسامة على محيا الجمهور وخاصة الأطفال الذي نكد ونعمل ونعيّد من أجلهم .. سأروي بعض ما شاهدت عند زيارتي المهرجان ، والله على مدادي شهيد .
دخلت مهرجان واحتنا فرحانة ، فرأيت الابتسامة وحسن الترحيب ، رأيت التنظيم والترتيب والجودة ، رأيت الرجال بأيدي الرجال ، وكأنهم بنيان مرصوص لعمل واحد دؤوب ، رأيت بعض الأخوات العاملات يعرفن ما يردن ، وهن يشاركن إخوتهم الرجال في صنع الإنسان ، رأيت أخواتنا وأمهاتنا وهن يعكسن صورة رائعة من أرشيف الماضي لأبناء الحاضر ، رأيت أمي وزوجتي وأبنتي وبنات مجتمعي يحفرن نقش لوحة الحاضر الجميل بمداد الماضي الأصيل ، وكيف مضت الحضارة الخليجية بشتى تفاصيلها وطقوسها وتضاريسها حتى الأن ، وكيف صنع الرجال والنساء هذا المجتمع الطيب .
فعاليات جميلة تتنافس في صنع كل جميل بقلوب الزائرين ، فترى هنا خيمة لتكريم وتشجيع أصحاب الأبداع والإنجاز ، وهي متمثلة بجائزة القطيف للإنجاز ، وترى هناك خيمة كبيرة لبصمات الفن والتصوير والتشكيل بسيمفونية العطاء ، وترى بالقرب خيمة لعالم الحيوان البعيد والقريب بمتناول يديك ، وترى أيضاً خيمة لسوق متنوع جميل ، به تعرض أخوات لنا صنع أيديهن من مهارات وأشغال يدوية جميلة ، ورأيت خياماً كثيرة تحوي العلم والمعرفة والتسلية والمسرح واللعب والمسابقات ، ورأيت خيمة لفت انتباهي ما يجري بها من مسابقة لأجمل توأمين ، ورأيت متحف عتيق داخل المهرجان ، وهو البيت القطيفي ، الذي يأخذك بسفرة جميلة إلي ماضي المنطقة العريق ، فتجد نفسك وكأنك بماضي بيت دول الخليج العربي عامة ، فكلهم شعب وبعادات وتقاليد واحدة ، وكأنك تعيش بين أحضان أجدادك ، وتأكل مأكلهم ، وتشرب من مشاربهم ، وتلبس لباسهم ، فتضرب رائحة التاريخ على أوتار قلبك وعاطفتك ، وكيف دمج زمن الماضي بالحاضر ، ولن ننسى ذكر رجال الأمن الحكومي والخاص ، بالمهرجان وبالشوارع العامة ، والمتعهدين على سلامة الزوار .
الكلام كثير عن مهرجان واحتنا فرحانة الإنساني، لكن لا يمكن ترجمته هنا ، وأنا أكتب هذه الحروف ، اشعر أنها تخرج من قريحتي وقلبي ، وبدون طلب أو مقابل ، سوى أنهم أخجلونا في أسعادنا كل عام ، ويجب رد جزء من الجميل الذي هو دين علينا ، فأدام الله وطني الكريم ، وأدام المهرجان السنوي الجميل ، فهو عادة إنسانية صنعها الإنسان لإسعاد أخيه الإنسان .
فشكراً لله ثم لإدارة المهرجان على كل شيء، والشكر الموصول للمتطوعين ، ولمن يعملون خلف الكواليس، وأتمنى أن تصل رسالتي لكل من ساهم في هذا المشروع الأخلاقي، فالله يحب الجميل ، وهل أجمل من صنع السعادة للإنسان .
[COLOR=#FF002E]فوزي صادق [/COLOR]
/ كاتب وروائي سعودي: