المال زينة الحياة الدنيا، ولقد أنعم الله سبحانه وتعالى على كثير من الناس بأموال وفيرة تزيد عن حاجتهم. وهم غالباً ما يرغبون في معرفة كيفية المحافظة عليها، ويحارون في اختيار السبل المناسبة لاستثمارها وتنميتها.
ولاشك أنَّ الاهتمام باستثمار الأموال قد زاد كثيراً في أيامنا هذه، وشغل الكبير والصغير، الرِّجال والنساء، الأغنياء والفقراء. فلا ينعقد مجلس إلا ويتطرق الحديث فيه إلى الاستثمارات.
فبعض الناس يمدح العقار والاستثمارات العقارية ويحضون عليه، وآخرون يُرغِّبون في الاستثمار عن طريق الأسهم ويُزيِّنون شراءها، وفئة ثالثة تُطري مجالات استثمارية أخرى، تجدها أكثر ربحاً وأماناً.
ولكن، وللأسف، حدثت في المجتمع مآسٍ ونكبات وخسائر ومصائب مالية واجتماعية ونفسية جراء اللهاث وراء الربح السريع من كل مكان، والانخداع لصُنّاع وَهْم الاستثمار المربح.
وهنا أشير لنقاط رئيسة في هذا الموضوع، منها:
أولاً: الأسهم والمساهمات أصبحت حديث الناس وشغلهم الشاغل هذه الأيام، أناس نجحوا وحققوا ثراءً سريعاً، وآخرون تحوَّلوا ـ نتيجة جهلهم وخداعهم ـ إلى مفلسين ومرضى، وبعضهم فارق حياتنا الدنيا.
ثانياً: مع ظهور الإقبال المتزايد من المتعاملين بالأسهم رجالاً ونساء، وتورط كثيرين بهذا النوع من الاستثمار، خسر بعضهم صحته وماله ووقته، وتورّط بعضهم بحقوق الآخرين مدّعين الكسب والربح السريع.
ثالثاً: إنَّ نسبة المضاربين في سوق الأسهم والمستثمرين في سوق العقار،80% منهم تتميز بقلة المعرفة بأسرار هذا الاستثمار وكيفية الدخول إليه والخروج منه، خاصة عند حدوث إنهيار حاد في الأسعار.
رابعاً: ليس كل شخص يصلح للاستثمار في الأسهم والعقار مثلاً، خاصة قليل الصبر، الذي يتأثر نفسياً ويصيبه القلق والأرق وتشغله الاستثمارات عن أمور الحياة الأخرى وتكون همه الوحيد بالدنيا وشغله الشاغل.
خامساً: وصل الأمر ببعض المساهمين والمستثمرين أن يتخذ قرار البيع أو الشراء بناء على الرؤى والأحلام أو التوصيات أو بناء على إحساسه الشخصي.
سادساً: يلحظ في سوق الاستثمارات العقارية وسوق الأسهم سرعة انتشار الإشاعات والاستغلال والعشوائية والحقد والغيرة مما يؤثر على الحياة المجتمعية.
سابعاً: لقد اختلط في هذا العصر ـ وللأسف ـ الحلال بالحرام، نتيجة السعي السريع للكسب وَوهْم التربح والحد الأقصى من الأرباح والمكاسب، في أيّ شيء، وبأسرع وقت، ومن أيّ مكان وبأيّ وسيلة ممكنة.
ثامناً: شاعت في المجتمعات سلوكيات مرذولة منها على سبيل المثال التقليد والمحاكاة والموضة والتهافت على كسب المال وانشغال الناس بالقيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة الأموال، رجالاً ونساءً، في مجالات الأسهم والعقار وبطاقات سوا وأمثالها، مما ولَّد آثاراً جسمية في النسيج الاجتماعي للأمة، وأدَّى إلى شيوع وانتشار الأنا والجشع وأكل أموال الناس بالباطل، والخداع والغش.
تاسعاً: إنَّ اختلاس الأموال صورة من صور الفساد، والفساد مثل وحش هيدرا الأسطوري متعدد الرؤوس يتشكل إلى كل جزء من النسيج المجتمعي يضعف الجسد السياسي ويعرض آفاق النمو الاقتصادي للخطر، ذلك أنَّ أثر الاختلاسات واضح في اهتزاز الحركة الاقتصادية للبلاد.
عاشراً: إنَّ الفساد قديم قدم الناس والحكومات نفسها. إذ قد يأخذ الفساد أربعين أسلوباً على الأقل من أساليب اختلاس الأموال. وأهم نتيجة توصلت إليها العديد من الدراسات التجريبية في هذا الشأن هي أنَّ الفساد سُمٌّ زعاف، فهو العلة الكبرى بعد علّة الطغيان، ذلك أنَّ الدمار الاقتصادي والاجتماعي الواسع النطاق الذي يسبِّبه الفساد، لا يمكن غالباً تحاشيه أو تلمّس الأعذار له.
ويمكن باختصار القول إنَّ الاقتصاد الأسود القائم على الاتجار بالكادحين يعمل خارج سيطرة أو حتى مشاهدة الدولة، وحجمه وتركيبه وتنوعه مع الزمن غير معروفة.
إذن، ما المطلوب؟!!
أولاً: لقد قيل إنَّ مَنْ أراد التعامل بالأسهم فعليه بمجموعة من القواعد المهمة، منها:
1) تقدير حجم المال الذي يخصّص للتعامل في سوق الأسهم، وألا يضع الإنسان ماله كله في مجال يحتمل الربح والخسارة.
2) تحديد الموقف من التعامل بالأسهم، مضارباً أو مستثمراً، إذ بينهما فروق لا تخفى.
3) توزيع المال المستثمر في مجالات عدة وأسهم عديدة وفي أكثر من شركة نقية.
4) استشارة أهل الخبرة في السوق عن أفضل الضمانات والثقة وإيجابيات التعامل مع بعض الشركات والمزايا الجيدة للأسهم المتداولة.
5) اتقان الإنترنت للتعرف على أسرار تجارة الأسهم من خلال مواقع مخصصة للاستثمار في مجال الأسهم.
ثانياً: لقد قيل إنَّ اختيار المرء لاستثمار معين ينبغي أن ينطلق من أمرين:
الأول: المعرفة الوافية بمختلف أنواع الاستثمار وميزات كل منها.
الثاني: الرؤية الواضحة لأهداف المرء من الاستثمار.
ثالثاً: لقد قيل إنَّ الناس يفضِّلون الاستثمار الذي يضمن لهم أموراً ثلاثة:
1) المحافظة على رأس مالهم.
2) تقديم أكبر نسبة ممكنة من الربح.
3) إبقاء مالهم في متناول أيديهم ليستعملوه متى شاؤوا.
وواضح أنَّ الاستثمار الذي تجتمع فيه هذه الميزات الثلاث هو الاستثمار المثالي.
رابعاً: إنَّ من أهم الواجبات على الدولة في هذا العصر القيام بالتنظيم الدقيق والمتابعة المستمرة والتقويم الفعّال والتقنين اللازم، لكل ما يجري في المجتمع من استثمارات وتعاملات اقتصادية، ضماناً وأماناً، للفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
[COLOR=#FF006C]أ . د / زيد بن محمد الرماني [/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]