لا تكاد تخفى الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي إلى الأردن والأراضي الفلسطينية، من أجل إنجاز إتفاق فلسطيني إسرائيلي، يتم إعلانه قبل إنتهاء مهلة المفاوضات في نهاية شهر نيسان/أبريل 2014م، ليكون الإنجاز الاكبر لإدارة الرئيس أوباما قبل مغادرتها البيت الأبيض.
في المقابل انتشرت بين كثير من الأوساط السياسية والإعلامية والاجتماعية كثير من التفاصيل التي تم طرحها على طاولة المفاوضات حتى الآن، والتي زادت جرعة القلق عند الكثيرين من عدة أمور منها "توطين" اللاجئين، وقضية القدس، وغيرهما من التفاصيل.
وبكل الأحوال مازالت جميع التسريبات تؤكد بأن إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً مناقشة أمر عودة اللاجئين لديارهم، حتى وإن كانت عودة محدودة لعدد من الشيوخ والنساء فقط، وترغب في توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم، أو طرح بدائل عليهم ككندا وأستراليا والسويد، لتنام قريرة العين، وتبعد عنها شبح ما يزيد عن 5 مليون لاجئ فلسطيني حول العالم إلى الأبد.
هذا بالرغم من الاتفاق في عهد الرئيس كلينتون مع الرئيس عرفات رحمه الله على حق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم التي خرجوا منها، أو أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية، أو أن يذهبوا لدول الشتات، أو أن يبقوا حيث هم، وفي كل الأحوال من يعود أولا يعود له الحق في الحصول على تعويض مالي عن مرحلة اللجوء، كما يوجد تعويض للدول المضيفة، وبالتالي كان القرار يتحدث عن حق العودة والتعويض، وهو المرفوض إسرائيلياً تماماً اليوم، إضافة للمطالبة بوجود قوات اسرائيلية في أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية، وبقاء قوات اسرائيلية في الغور الفلسطيني، وهو الأمر الذي قبلت به السلطة على أن يكون بتسيير دوريات مشتركة خلال المرحلة الانتقالية التي يجب أن لا تزيد عن ثلاث سنوات، باعتبارها فترة تحدد لتنفيذ الاتفاق، على غرار ما نص عليه اتفاق سيناء.
وخلال هذه الفترة، لا تمانع السلطة بوجود قوات دولية باسم الأمم المتحدة تشكل من الولايات المتحدة والأردن، وهو ما نراه من أخطر ما طرح حيث ستجعل القوات الأردنية بالنسبة للفصائل الفلسطينية التي سترفض الإتفاق هدفاً، تماماً كالقوات الإسرائيلية والأمريكية !
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ترفض إسرائيل رفضاً قاطعاً مناقشة أمر القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ولا حتى القدس الشرقية التي إحتلت عام 1967م ذات الكيلومترات الست المربعة، وتطرح بلدة أبو ديس الملاصقة للقدس، أو بيت حنينا البعيدة 8 كيلومترات عنها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
واليوم بعد أن قبل الإسرائيليون بالانسحاب سابقاً من غزة وأريحا "الملعونتان" في الثقافة التوراتية، يقايضون لمنح السلطة الوطنية مالا يزيد عن 20% من مساحة أرض فلسطين التاريخية، والتي تزيد عن 26000 كيلومتر مربع لترفع فوقها العلم الفلسطيني "سلميا"، مقابل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل دولياً قبل أي شئ آخر، وذلك لنزع أي صفة تاريخية أو قانونية للفلسطينيين للمطالبة بالأرض المحتلة من أراضي فلسطين مستقبلاً، بالإضافة لإعطاء الإسرائليين الحق في طرد أي فلسطيني من المتواجدين في الأراضي المحتلة عام 1948م، بسبب عدم إنتمائهم ليهودية الدولة، إضافة إلى الاعتراف بالرواية الصهيونية لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي، بمعنى الإعتراف بحق الدولة الإسرائيلية بأراضي دولة إسرائيل التاريخية المزعومة في دول عربية أخرى، كالأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر ...!
ومن هنا يتضح أن وزير الخارجية الأمريكي السيد جون كيري وأحبابه الإسرائيليين لا يبحثون بيننا إلا عن عواد، وهو الموجود في كل مجتمع للأسف، ونتمنى من صميم قلوبنا أن يبقى تائهاً عنهم وهم عنه تائهون.
ولمن لا يتذكر حكاية عواد الذي نزلت بقريته فرقة غواني، سرعان ما لعبت إحداهن بقلب عواد، فجذبته إليها وصرفته عن أرضه وأهله، وغيرت من طريقة حياته حتى تمرد على واقعه وتطلع إلي حياة في منتجعات أهل الفن والمغنى، وباع عواد أرضه وانطلق وراء الغانية (وهيبة)، يغني لها ومعها أغاني (مثل التي نراها ونسمعها ليل نهار في الفضائيات)، بينما راح أولاد القرية يزفونه بأغنية لا تنسى "عواد باع أرضه .. يا أولاد .. شوفوا طوله وعرضه .. يا أولاد .. يا أولاد غنوا له .. يا أولاد .. على عرضه وطوله .. يا أولاد ". ...!
وقبل الختام نذكر السيد كيري وأعوانه بأن حب الفلسطيني وانتمائه لأي أرض عربية، وعلى رأسها الأردن لم يكن يوماً انتقاصاً من حبه لفلسطين، بل على العكس كان دائماً أكبر حافز له لحب فلسطين وفدائها بكل ما يملك، تماماً كما هو الحال بأي أرض عربية احتضنته ووقفت إلى جانبه يوماً، ولم تكن هناك أرضاً عربية وقفت إلى جانب أهلنا في فلسطين يوماً كما وقفت المملكة الاردنية الهاشمية، وبالتالي علينا أن نطمئن فلن يكون أهل أرض الإسراء والمعراج يوماً ناكرين للمعروف، أو قابلين لحل قضيتهم التي عاشوا يتوارثونها جيلاً وراء جيل على حساب أي أرض عربية أخرى، أو على حساب حبهم وأخوتهم لأي شعب عربي آخر.
أما قصة "جون وعواد" فلن تنتهي إلا عندما يشاء الله عز وجل، فسنجد دائماً "جون" الحريص على البحث بيننا عن أي "عواد" ...!
[COLOR=#FF0017]بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران[/COLOR]