وضعت قناة دليل مقعدا فارغا مكان الزميل داود الشريان لعدم حضوره برنامجا حواريا، مثلما يفعل الشريان مع ضيوفه الذين يعتذرون عن حضور برنامج الثامنة، وهذا خطأ بني على خطأ؛ لأن من حق أي إنسان أن لا يحضر برنامجا يظن أنه يستهدفه شخصيا أكثر مما يستهدف البحث عن الحقيقة، وكون الشريان فعل ذلك في بدايات البرنامج، فإن هذا لا يعني أنه قام بعمل صحيح حتى وإن حاز هذا الفعل على إعجاب الجمهور، فالكرسي الفارغ مثلما يعطي دلالة على أن صاحبه هرب من المواجهة، فإنه يرسل رسالة مهمة ــ في الوقت ذاته ــ ملخصها أن هذا المكان لا تتوفر فيه شرط الحوار الموضوعي!.
للأسف، لم أشاهد حلقة قناة دليل، ولكنني رأيت صورة كرسي داود الشريان الفارغ في مواقع التواصل الاجتماعي، قلت لنفسي: ممتاز جدا.. داود ليس هنا، فلنناقش الموضوع بعيدا عنه، ولنترك كل ما يتعلق بشخصه وأرشيفه الصحفي وطريقته في النقاش، ولننس أسماء الشيوخ الذين ذكرهم بالاسم (العودة، البريك، العريفي، العرعور، العواجي)، فقد دافع كل واحد من هؤلاء عن موقفه بالطريقة التي يراها مناسبة، لنترك كل المقاعد فارغة، ولنركز على الأسئلة الأهم: هل يعد تحريض شبابنا على الذهاب للقتال في الدول المضطربة أمرا واجبا أم جريمة بحق الوطن وأجياله؟، وكيف يتحدث أي شيخ عن النعيم الذي ينتظر المجاهدين هناك ولا يكون هو وأولاده في مقدمة صفوف الباحثين عن الجنة؟، دعكم من انفعالات داود وصراخ من لم يعجبهم كلامه.. واستمعوا إلى صوت الأم التي ضاع فلذة كبدها في أتون حرب عبثية.. ألا ترون في نبرات صوتها الباكي إشارة للعقل معناها (قد تكون أنت التالي)؟!.
لست مع داود الشريان بل مع كرسيه الفارغ!، مع تجريد القضية من الأسماء للوصول إلى الهدف. لو كنت سأتحدث عن حلقة داود المثيرة لقلت إن (فيها وفيها)!. فالمناخ التحريضي الذي يدفع هؤلاء الشباب الصغار للقتال في الدول المضطربة أكبر بكثير من أن يتم اختزاله في أربعة أسماء أو حتى عشرة، وعلاج الرمح الذي يخترق الجمجمة لا يكون بشريط لاصق، بل بإجراء عملية جراحية شاملة تعيد العقل إلى مكانه الطبيعي.
لم يكن من بين عادات الزميل داود الشريان إزعاج منام قوى التشدد؛ لذلك كانت الغضبة عليه كبيرة ومختلفة، كما أن برنامجه واسع الشعبية ولغته المباشرة التي تعتمد على صوت الضحايا شديدة التأثير على عامة الناس؛ لذلك كانت ردة الفعل المدوية التي حضرت فيها أسماء الأشخاص وسيرهم وغابت القضية الأصلية، وليس صحيحا أن الغاضين من الحلقة كانوا جميعا من الاتباع الذي لا يقبلون نقدا لمشايخهم أو بعض الحزبيين الذين أزعجهم كلام داود، بل ثمة قطاع عريض من الجمهور يشعر بمسؤولية أخلاقية ودينية وقومية تجاه ما يحدث لأهلنا في سوريا، ولكن الصور المتناقضة تتداخل عليهم، بحيث لم يعودوا قادرين على تمييز الحق من الباطل، وهذه الحيرة الفكرية لم تأتِ بالصدفة، بل هي نتيجة طبيعية لرحلة الوصاية على العقول!.
بالعودة إلى كرسي داود الفارغ.. وكراسي الشيوخ الذين ذكر الشريان أسماءهم دون أن يشركهم في حلقته، تكون الصورة أكثر وضوحا، حيث تغيب كل الأسماء والوجوه والتحزبات ويحضر السيد (المستقبل) وهو يرتدي حزاما ناسفا، حينها هل سترحبون بهذا الضيف المفخخ وتطلبون منه أن يختار الجلوس على أي من هذه المقاعد الفارغة؟!. أم أنكم سوف تخدعون أنفسكم من جديد بالقول إن مجيئه كان صدفة غير متوقعة؟!.
[COLOR=#FF0045]
الكاتب : خلف الحربي [/COLOR]