ما الادخار؟!
بداية أقول إن الادخار ـ وكما يرى الاقتصاديون ـ هو ذلك الجزء المتبقي أو المقتطع من الدخل بعد الاستهلاك، بمعنى أن الدخل ـ عندهم ـ يتوزع على الاستهلاك والادخار بصفة عامة.
ولذا، قيل الادخار اقتطاع من الدخل لاستهلاك مستقبلي، تمييزاً له عن الاكتناز الذي يعني الاقتطاع النقدي الموجه لتجميد الأموال وحبسها عن التداول دون استثمار.
كما أن الادخار يتمايز عن الاحتكار، من حيث إن الاحتكار ينصب على حبس الأموال تربصاً بغلاء الأسعار.
وعليه، فإن الاكتناز والاحتكار ظاهرتان اقتصاديتان سلبيتان ضارتان، أما الادخار فهو محمود ومرغّب فيه.
لماذا ندّخر؟!.
إن الادخار ـ وفي هذا العصر خاصة ـ يتأكد لأهمية الاحتياط وتغطية النفقات الطارئة والظروف المفاجأة، وسداد المستحقات المالية للآخرين، وتوفير فرص الحياة الكريمة للشباب وأهليهم.
ويقول سبحانه مادحاً عباده المؤمنين "بالقوام" ((والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً)). وفي هذه الآية إشارة أكيدة للاعتدال وأهميته في النفقات الاستهلاكية خاصة، وهذا يعني فرصة لتكبير الادخار وحجم المدخرات.
ويقول تعالى ناهياً عباده عن "الإسراف والتبذير" ((وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)) ((ولا تبذر تبذيراً)). وفي هذه الآيات توجيه رباني بعدم المبالغة في الإنفاق، وهذا في صالح المدخرات.
بَيْدَ أنه يحسن الإشارة إلى حقيقة عصرية، ألا وهي صعوبة الادخار في عصر المجتمع الاستهلاكي وعند أرباب العقلية الاستهلاكية ومَنْ ترسخت في نفوسهم الثقافة الاستهلاكية غير الرشيدة.
إضافة إلى أن هناك التزامات وحقوق للناس في ذمم الشباب، سواء في شكل ديون أو أقساط أو مستحقات، لا تمكنهم من أن يكونوا قادرين على الادخار.
ثم إن المستلزمات الأسرية والأعباء الاجتماعية تشكل ضغطاً غير خفي على ميزانية البيت، مما يجعل رب الأسرة في حرج وضيق من صعوبة التقيد بميزانية محددة.
وإذا أضفنا إلى ما سبق عنصراً مهماً ألا وهو حجم الدخل النقدي وكميته، كعامل مؤثر في قدرة الشخص على الادخار. فإننا لا نبالغ إذا أكدنا حقيقة تيسير الدخل المرتفع نسبياً على صاحبه مهمة الادخار.
إنّ الادخار يمكن صاحبه من أن يكون رشيداً متوازناً معتدلاً في شرائه وإنفاقه واستهلاكه وأخذه وتوزيعه وتعاملاته الاقتصادية الأخرى.
ومن خلال ما يتوافر من مدخرات نقدية يمكن للشاب أن يغطي التزاماته وديونه ومستحقات الآخرين، كما يمكنه أن يوفر بعض المستلزمات الترفيهية.
كما أن الشاب مطالب ديناً وعرفاً بأن يكون مستكفٍ عن الآخرين، لديه من الفوائض ما يساعد به إخوانه المحتاجين .
هل الادخار غاية؟
طبعاً، لا. لأن الادخار واسطة، الغاية منه قد تكون لضمان الشيخوخة والمستقبل، أو لزيادة الدخل أو رفع المستوى. وقد يكون الادخار لشراء حاجات ضرورية أو لتأمين مستقبل الأولاد، أو مجرد تمضية إجازة ممتعة، لكن الادخار يبقى ضرورة، لأن الأمور قد تتطور، وليس من يضمن دوام الحال.
فمن لم يحسب ذهاب نفقته لم يحسب دخله, ومن لم يحسب دخله فقد أضاع أصله. ومن لم يعرف للغنى قدره، فقد أذن بالفقر وطاب نفساً بالذل. إذ مستقبل أيّ إنسان مرهون بما أعده ونظمّ شؤونه المالية لتحقيق برنامج حياته.
مَنْ يستطيع أن يدّخر؟!.
نقول: ليس من الضروري أن يكون لدينا ثروة لنبدأ الادخار، فلكل إنسان إمكاناته وطاقاته وحدوده. وعندما يكون ثرياً فلا يعود بحاجة للادخار. كل إنسان وحتى الطفل الصغير يمكنه أن يدّخر. وهو في الواقع قد يستفيد من أخطاء أبوية. فهما عندما يشتريان له حصّالة يحاولان التعويض عن إهمالهما لأنهما لم يدّخرا في حياتهما، فيزعمان أنهما سوف يوجهان أولادهما نحو الادخار.
متى يبدأ الادخار؟!.
نقول: اليوم. نعم، فلنقرر اليوم أن ندّخر إن كنا لم نقم بذلك حتى الآن، وإن كنا قد أخطأنا في الماضي، فليكن قرارنا حكيماً وصارماً ولنقرر الآن أن نبدأ.
كيف ندّخر؟!.
إنّ الأمر غاية في الصعوبة لضعف القدرة الادخارية لدى قطاع عريض من شباب المجتمع. إضافة إلى محدودية دخل تلك الفئات، وحجم المستحقات والديون والأقساط المترتبة عليهم.
بَيْدَ أنه يحسن أن نقدّم لهم بعض النصائح والتوجيهات المهمة في هذا المجال، ومنها:
1) ابدأ بالأولويات، المهم فالأهم، الضروري فالحاجي، فالكمالي؛ وإن استطعت تأجيل بعضها إلى وقت آخر، فحسنٌ.
2) لا تتهاون في الفراطة مهما كانت، فالجبل يتكون من حبات رمل.
3) احذر الإفراط في المسلك الادخاري الموصل إلى منطقة التقتير والبخل والشح المنهي عنها، لأنه لا إفراط ولا تفريط.
4) كنْ حكيماً في إنفاقك وصرفك واستهلاكك معتدلاً في أمورك كلها، فخير الأمور الوسط.
5) ابحث عن مصدر آخر للدخل مهما كان عائده قليلاً، أو كانت طبيعته مهنية، فالعمل شرف وعبادة.
6) ادخر الفوائض المتاحة في وقت اليسر والسعة للحاجة إليها في وقت العسر والشدة وكما قيل احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود.
7) خطط لنفسك وأسرتك ومصروفاتها وفق ميزانية معتدلة، مع مراعاة التنويع المنضبط والترفيه العادي والمتطلبات الأساسية.
8) قوّم ميزانيتك دورياً، شهرياً أو نصف سنوي أو سنوياً، واستفد من نتائج التقويم.
9) استفد من تجارب الآخرين في مسائل الادخار وإذا كانت مناسبة ومتناسبة مع دخلك ووضعك الاجتماعي وأسرتك ومتطلباتك، فالحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها.
10) قبل ذلك وأثناءه وبعده استعن بالله سبحانه واطلب العون منه عز وجل ليسدد على طريق الحق والخير خطاك وأن يهديك لأنسب الأمور وأرشد الأحوال وأعدل المسالك.
[COLOR=#FF001F]أ . د / زيد بن محمد الرماني [/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة
التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]