أنزل الله الكتاب الكريم على الرسول مُحَمَّدٍ صلوات الله عليه وعلى آله بتدرّجٍ محكمٍ وعلى فترات زمنية محددة لتثبيت قلب النبي ومن معه لفهمٍ قرآنيٍ واضح وبّينٍ وليبيّن الأحكام بسلاسة وتأني و ليهضمها الفرد والمجتمع معاً فالقرآن هو دستور الأمة الجديدة يخاطب البشر من جميع المستويات وعلى مختلف الأصعد وبلغةٍ سهلةٍ ممتنعة وهو يطرح العبادات والمعاملات الشرعية على الناس جميعاً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فأصل الأمور هو الإختيار الإرادي والمعرفي والقبول الإيماني بملء الإرادة والقدرة .فالله الذي يحترم العقل الإنساني ويقدره لإنه أياه يعاقب وأياه يثيب فهذا الإله يقّدرُ الإنسان ويكرّمهُ ولقد كرّمنا بني آدم وهذا القرآن عندما أراد التحدث والمخاطبة لتنفيذ شعائرالحج وضع الأشياء مواضعها لإنّ هذه العبادة تجعل الإنسان يُولد من جديد فولادته الدنيوية كانت منذ أن وضعته أمّه رضيعاً وهذا الطواف والسعي والوقوف في عرفة ولادةٌ معنوية وروحية في الكبر بعقلٍ يزنُ الأمور ويضعها في نصابها فلماذا الله حينما تحدث عن الحج لم يقل يا أيها المؤمنون أو الذين آمنوا أوأسلموا بل ركّز في أغلب آيات الحج على كلمة الناس وأنتم بلغةالخطاب المباشر ؟؟؟؟؟؟؟؟.......الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ 197 لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ 198 ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 199 فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ 200 وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 201 أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ 202...........
124 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ 125 ....
...........36 رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ 37 رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء 38 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء 39 رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء 40 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ 41 إبراهيم)
فماذا تعني كلمة الناس هل هي عامة والمقصود بها الخصوص من المؤمنين أو المسلمين ؟؟؟والظاهر أن ذكر الناس في الآيات يُوجب أن يحجّ الناس جميعهم فليس هناك إعتراض على أن يزور مكة ويحج إليها أيُّ أحد مع الأخذ بالأعتبارالفتاوى الدينية حول الحج و وهناك ملاحظة ملفتة للنظر أنّ كلمة الناس يمكن أنّ يُستدل بها بأنّ المساواة في الحج ضرورة حتمية فالناس سواسيةٌ كأسنان المشط فالملك كخادمه والحر كالعبد والمرأة كالرجل والأبيض كالأسود فتتساوى الأعراق والأوطان في بيت الله وهذا في حد ذاته درسٌ ليكونوا عند عودتهم الى ديارهم متساويين أمام ميزان العدل والإنسانية ولعل كلمة الناس تعني الجن والإنس حسب أحد المصادر اللغوية فتكون الملاحظة أشمل وأعمّ وهذه الكلمة أي الناس أعطت مساحة لينة للسلطات المتواترة والمتعاقبة على إدارة البيت الحرام لأن تكفير الناس أمرٌ خطير لأنه يترتب عليه أموراً مهمة وأحكاماً خطيرة حسب فهم الكثير من المذاهب فالسماح لأصحاب المذاهب رغم اختلافهم فكرياً وفقهياً يمكن أن يعتبر من بركات هذه الآية.... وحين يقول الله سبحانه وتعالى ولله على الناس حج البيت وكأن القرآن يلفت الانتباه الى المعاني الإنسانية للحج أي هناك رابط بين الناس والحج والظاهر من بعض الأحاديث أن العائد من الحج يستفيد من نتائج هذه الرحلة الروحية حتى ولو لم يكن مؤمناً فهذا يستدعي الإنتباه والتساؤل هل الله متسامح مع النا س والبشر الى هذا الحد؟؟؟؟نعم إنّ الله رحمان وكريم رؤوف بعباده ..... وهناك تساؤل آخرى هل الغير المسلم يستطيع تطبيق الأحكام ويمكن أن يستفيد منها ؟؟؟؟؟أم أن هناك أمراً آخر وهل هناك آيات قرآنية وآحكام لها طابع الإفادة المباشرة والغير مباشرة على الناس جميعاً دون تميز . من هذه الفكرة التي لديها أمثلة عديدة على إنسانية القرآن وأنه للناس جميعاً وأنه شفاء للناس والمؤمنين والمتقين وأنه سلسلة متينة في كل حرف وكلمة لا يسبر غوره ولا يدرك قعره فالعاقل يستفيد من الكتاب الكريم حتى ولم يكن مطبقاً للأحكام التشريعية ويمكن حتى الكافر ان يستفيد من القرآن فالعلمانية يمكن أن تستنير بعقل القرآن لتصل الى الحجة الواضحة والناصعة في أفكارها والمؤمنون يمكن أن يهتدوا الى سبيل الرشاد من خلال آياته فالقرآن هدىً للناس فدراسة كلمة الناس في القرآن تُظهر مدى العلاقة بين بني البشر وكلام الله وأنّ هذا السفر العظيم يضع مصلحة الناس ومفهوم الإنسانية في مقدمة أولوياته ويجدُّ ويجتهد لخدمة بني البشر وما على الناس إلا أنْ يغرفوا من من معين القرآن الكريم
دعْ عنك كلّ غشاوةٍ وسحابةٍ.....فالله قد بعث الهدى قرآنا
واعقلْ كتاب الله إنّه مُنزَلٌ....... بالنورالمبين ليسحقَ الطغيانَ
[COLOR=#FF0017]بقلم الدكتور حسان الزين[/COLOR]