الفراق في العلاقات جزء من أجزاء رحلة الحياة ومراحلها الانتقالية سواء باختيار المرء أم بعدم اختياره، وهو موقف قاس في جميع أحواله، ويعكس قيم الشخص ورقي خلقه في الصبر والتحمل والاحترام.
تقول أحلام مستغانمي ” على مدى عمر من الكتابة كم استودعتني النساء من أسرار، وكم تجمعت لدي قصص عن الحب، وكم امتلأت دفاتري بأفكار ومقولات في الحب يصعب حشرها جميعها في أعمالي الروائية، كانت نيتي الأولى جمعها في كتاب واحد لكنها غدت أكبر من أن يضمها كتاب، وحين رحت أفكر في تقسيمها حسب المواضيع غدت مقسمة حسب مراحل الحب أي حسب فصوله الأربعة: فصل اللقاء والدهشة، فصل الغيرة واللهفة، فصل لوعة الفراق، فصل روعة النسيان”.
ويصف المتنبي فراق كافور الأخشيدي الذي تكلفته نفسه:
فراقٌ وَمَن فارَقتُ غَيرُ مُذَمَّم
وَأَمٌّ وَمَن يَمَّمتُ خَيرُ مُيَمَّمِ
وَما مَنزِلُ اللَذّاتِ عِندي بِمَنزِلٍ
إِذا لَم أُبَجَّل عِندَهُ وَأُكَرَّمِ
سَجِيَّةُ نَفسٍ ما تَزالُ مُليحَةً
مِنَ الضَيمِ مَرمِيّاً بِها كُلُّ مَخرَمِ
رَحَلتُ فَكَم باكٍ بِأَجفانِ شادِنٍ
عَلَيَّ وَكَم باكٍ بِأَجفانِ ضَيغَمِ
وعلى الرغم من قسوة الفراق على النفس الذي يحمل في بدايته الألم والحزن إلا أنه قد يكون نقطة انطلاق وبداية جديدة حيث أنه يعيد تشكيل النفس واكتشاف الذات، وبه يعرف المرء قيمته وقيمة من يحب، يقول جبران خليل جبران ” المحبة لا تعرف عُمقها إلا ساعة الفراق”، كما يمنح الفراق المرء حرية واستقلالية عاطفية من العلاقات السامة ويعزز النضج الانفعالي، ويُكسبه خبرة حياتية ومعرفة أشخاص آخرين، إضافة إلى أنه فرصة للنمو والتجدد، وبه يقدر الإنسان قيمة الحياة وجوهرها مما يعزز الامتنان لديه.
وحتى يكون الفراق ساميا هناك جملة من الآداب يتحلى بها المرء ليرتقي بها من جراح الفراق إلى نبل الإنسانية ومنها:
1) الإيمان والرضا بأن أمر المؤمن كله خير وكل ما هو كائن هو مقدر قبل أن يكن، فأصعب أنواع الفرق هو أن تفارقك روح الإيمان والتسليم والرضا.
2) أن يكون الفراق الاختياري في العلاقات نابع عن قرار رشيد وليس عن انفعالات عاطفية قد يجني منها المرء الندم لاحقا.
3) لا تعطي الأحداث أكبر من حجمها وتعامل برد فعل هادئ متزن.
4) الاحترام المتبادل بين الطرفين فمهما ساءت العلاقة ووصلت إلى طريق مسدود فليكن الفراق جميلا، فلا تحاول الانتقام أو الإساءة أو الإهانة لا قولا ولا فعلا.
5) اجعل الفراق أقل حدة بالاعتراف بالفضل والجميل وذكر الطرف الآخر بالخير واللحظات الطيبة ويشتد أهمية ذلك في الانفصال بين الزوجين فلا ينبغي تشويه صورة الوالدين في نظر أبنائهم مهما كانت شدة الخلافات.
6) إذا وجد احتمالية للتواصل المستقبلي ولتجنب المشاكل يلزم تحديد وسائل وطرق التواصل.
7) اسمح لمشاعر الضيق والحزن والألم أن تأخذ وقتها الطبيعي واستعد تعافيك وتوازنك النفسي وركز على نفسك والمستقبل المشرق الذي ينتظرك.
ختاما: الحياة مستمرة ولا تقف عند فراق أحد لملم شتاتك وأحزانك، وسر مع الحياة بنفس راضية وقلب منشرح، يقول فاروق جويدة: إذا ما جاء الفراق يومًا وجاء بعد الفراق العيد فلا تنسَ أن تفرح، ولا تنسَ أن تضحك، ولا تنسَ أن تلبس الجديد”.
التعليقات 1
1 pings
A1
29/01/2025 في 11:26 م[3] رابط التعليق
كفيت وففيت